زينب سعد | محرر تنفيذي

تضمّن أسبوع فلسطين في الجامعة الأمريكيّة يوم الثلاثاء الواقع في الخامس من مارس ندوة حوار بين أحمد بيقاوي (محاور ومنتج بودكاست تقارب) والدكتور غسان أبو ستة (جرّاح فلسطيني). تميّز هذا اللقاء بكونه الأوّل من نوعه لإقامته بشكل مباشر أمام تلاميذ وطاقم الجامعة في حلقة مسجلة في الحرم الجامعي. تخلّل الحوار مجموعة من الأسئلة التي طرحت للمرّة الأولى على الدكتور الذي أدلى بشهادته كجرّاح في مستشفيات غزّة، وتضمّنت الأجوبة طرحاً لبعض المواضيع القيّمة.

ديمومة الإرتباط بالقضيّة الفلسطينيّة

إحدى نقاط الحوار تمحورت حول تعريف الدكتور لنفسه. فقد أشار الدكتور غسّان إلى أنّ العائلات الفلسطينيّة عادةً ما تربط تاريخها بالأحداث التي تمرّ بها، وأنّ مراحل العمر تخلق ما يسمّى ب “ديمومة الإرتباط بالقضيّة الفلسطينيّة”، هذا ما توارثته الأجيال. هذا وقد استشهد ببعض من تاريخ عائلته الخاص والأحداث التي شهدها. 

أوّل مجزرة شهدها الدكتور غسّان كانت مجزرة تلّ الزعتر عندما كان يبلغ من العمر السبع سنوات. في حدث مروّع كهذا، شعر الدكتور بالتهديد للمرّة الأولى، لكن عزيمة الفلسطينيين وشجاعة الطاقم الطبّي في مشفى بسيط أيقظت فيه شيئًا من الإصرار على البحث عن أجوبة لما جرى في تلّ الزعتر. 

“أذكر بعد المجزرة محاولاتي للاقي كتب من مراكز الأبحاث الفلسطينية لأقرأ عن تلّ الزعتر” هذا ما ذكره الدكتور ليعطينا لمحة بسيطة عن أوّل محاولاته ليتعرّف على عدوّه وعلى شعب فلسطين الجبّار، هذا ما يمثّل أوّل خطوة للدكتور كفردٍ فعّال في هذه القضيّة.

فلسطين ولبنان: التجربة الأخوية في مواجهة العدو

أشار الدكتور أيضاً الى تجربته في لبنان بالرجوع إلى زمن الإجتياح الإسرائيلي حيث راودته تساؤلات عدّة عن الكيان الغاصب، فَشَل قيادات منظّمة التحرير، ودور القطاع الصحي. 

في عمر الثالثة عشر شهد الدكتور غسّان ولأوّل مرّة تجوّل قوّات الجيش الإسرائيلي داخل لبنان، “كيف وصلت الدّبابة لخلدة؟” تساؤلات كثيرة كانت تجول في فكره عندما شاهد الدكتور الزمن يعيد نفسه في الأراضي اللبنانيّة.

في أحداث مماثلة كان الطاقم الطبّي اللبناني أيضاً في أتمّ الجهوزيّة وهذا ما ألهم الدكتور غسّان أكثر؛ كلقاءه ببعض الأطبّة والجرّاحين الذين تواجدوا في مستشفيات صبرا وشاتيلا والذين لم يتركوا الميدان. هذا الإصرار من قبل الطواقم الطبيّة وأهالي المنطقة جعل للتّجربة اللبنانيّة والفلسطينيّة ميزة خاصّة تفصلها عن باقي حركات التّحرير في العالم الثالث.

عندما سُئل الدكتور غسّان عن حبّه لبيروت أجاب بلسان جميع الفلسطينيين اللذين زاروا بيروت أو اتّخذوا منها موطناً ثان

“نص كياني من بيروت، في علاقة حُبّ بين الفلسطينيّة وبيروت” 

وقد نتساءل من أين ينبع هذا الحُبّ، ربّما من كوننا يداً واحدة تسدّد الصفعة تلو الأخرى لعدوّ واحد أو كما يطلق عليه الدكتور إسم “الغول” فيضيف “نحنا وياهن عم نحارب الغول”. والأهم يقع في خلق الأمل في نفوس إخواننا في فلسطين كما يشير الدكتور “الصُّوَر في الجنوب لِدَحر الصهيوني بتقنع الفلسطيني بإمكانيّة إضعاف الغول”.

القطاع الصحّي الفلسطيني: من الضعف تخلق القوّة

أدلى الدكتور غسّان بشهادته كطبيب في غزة وبإسم جميع الأطبّاء عمّا يعانيه القطاع الصحّي وعن الحصار الذي يفرضه الاحتلال لإضعافه، هذا ما رأيناه ولأوّل مرّة عبر شاشات التلفاز من قصف وتدمير للمستشفيات ثمّ قتل وتهجير للطاقم الطبّي. 

لكنّنا كنّا غائبين عن أولى محاولات الاحتلال لفرض سيطرته وإضعاف المؤسّسات الصحّية وهذا ما تمثّل ب 

  • فرض حصار يمنع دخول وخروج المواد التي تحتاجها المستشفيات وهذا الحصار كان عبارة عن “تعليق القطاع الصحّي ما بين الحياة والموت” كما أشار الدكتور. وقد تمثّل بأساليب عدّة كمنع دخول أجهزة العلاج الإشعاعي لمداواة مرضى السّرطان، وقد امتدّ ليشمل جميع الموارد التي تبقي المستشفيات قادرة على استيعاب المرضى والمصابين.
  • خلق وباء من الإصابات المعقّدة والإعاقات، هذا ما يتعمّده الإحتلال لخلق ما يعيق الطواقم الطبّية. إحدى أساليبه كانت التعمّد في إحداث إصابات بالغة في صفوف الفلسطينيين في مسيرات العودة على سبيل المثال التي سجّلت 90% من المصابين الذين تم قنصهم واستهداف أطرافهم. هذا النوع من الإصابات يعدّ الأكثر تعقيداً لحاجة المصاب إلى عدد لا يستهان به من العمليّات وحوالي “سبع سنوات من العلاج”.

ومع ذلك أكّد الدكتور غسّان على أن الطاقم الطبّي ما زال يقاوم بكل ما يملك بالرّغم من الحصار، بل أنّه يزداد قوّة حيث أنّ التجارب السابقة قد أكسبته خبرةً في التعامل مع جروح وإصابات الحروب المعقّدة. ثمّ أضاف عامل الإستثمار في الكوادر البشريّة حيث سافر عدد كبير من الأطبّة للتخصص خارجاً ليرجعوا بعدها إلى وطنهم متجاهلين أيً من العروض المغرية في دول الخليج على سبيل المثال. 

أكّد لنا الدكتور على أن هذه القوّة تنبع من التفاني اللامتناهي لدى الطواقم الطبّية في غزّة والإصرار على الإستمرار لمقاومة الاحتلال، هذا ما دفع المجتمع الإسرائيلي إلى العمل على إبادتها بالكامل. 

من هنا نستطيع ربط عزيمة الطاقم الطبّي بعزيمة المواطن الغزّاوي، هذه العزيمة التي تخيف الإحتلال الذي يلجأ إلى الإبادة الإجتماعيّة

“عم يحاول يغرقك بدمّك ليغطّي على فكرة إنو انتَ هزمته” 

كلماتٌ أدلى به الدكتور وكانت كافيةً لتلخيص الحرب في غزّة اليوم. لكن ماذا عن تداعيات هذه المعركة؟ وماذا عن مستقبل المشروع الصهيوني؟ 

اختتم الدكتور غسّان أبو ستّة بتأكيده على أن المعركة ستتبعها “معركة صامتة” وهي من أخطر المراحل التي تقتضي من الجميع جهوداً كبيرة لنشر ما يحدث في غزّة. كما أشار بأنّ هذا المشروع الصهيوني ما هو إلاّ قاعدة عسكريّة غربيّة مصيرها الزّوال.