أليسار إزرافيل | كاتبة

 

في إطار أسبوع فلسطين، بدعوة من كلية الفنون والعلوم ومركز الدراسات الأبحاث الفلسطينية وبرنامج التعليمي العام في الجامعة الأميركية في بيروت نهار الاثنين الواقع فيه 7 آذار، 2024، قدّمت الفنانة أمل كعوش برفقة زملائها الموسيقيين أمسية غنائية بعنوان “فلسطين راحة الأرواح”. الموسيقيون هم جورج الشيخ على آلة البزق ومازن ملاعب على الإيقاع ومكرم أبو الحسن على كونتر باص. 

لماذا سميّت الأمسية “فلسطين راحة الأرواح”؟

ان الأغاني التي تمّ غناؤها في الأمسية هي على مقام الهزام أو مقام السيكاه (مقام من المقامات الموسيقية الشرقية). يوجد فرع من مقام الهزام اسمه “راحة الأرواح”. فالفرقة وجدت اسم “فلسطين راحة الأرواح” مناسب لهذا العرض من الناحية الموسيقية. أمّا من ناحية التأويل، بالنسبة لكل شخص تأويل خاص به ويستطيع أن يفسّر العنوان بالطريقة التي يريدها.

قدّمت الفرقة مجموعتين من الأغاني المأخوذة من ذاكرة الشعب الفلسطيني المغنّاة. هذه المجموعة هي من الموروث الشعبي أي من الأغاني الشعبية التي كانت تغنّى قبل النكبة وما زالت حتّى اليوم تغنّى بنفس الطريقة. الأغاني توثّق سرديّات من تاريخ النّاس في بلاد الشام. التراث الشعبي في منطقتنا هو نفسه وأمّا الاختلاف كامن في اللهجات أي اللهجة شامية ولكن تختلف إذا كانت اللهجة من سوريا أو من فلسطين او من لبنان. في داخل كل بلد يوجد لهجات مختلفة حسب المناطق الجبلية أو الساحلية أو الداخليّة. أيضا، في الأغاني المغنّاة أي المستمع يستطيع أن يتعرّف على مصدر الأغنية من خلال الكلمات المطروحة. مثلا، “مرج بن عامر”، هي الأغنية التي تمّ غنائها في فلسطين وليس في سوريا أو لبنان. 

انّ الفرقة قدّمت مجموعات من الأغاني الثورية التي كتبت مع انطلاق الثورة الفلسطينية في الستينيات القرن الماضي. قدّمت الفرقة ثلاث وصلات ثوريّة. الوصلة الأولى أي ميدلي كانت أغاني للفرقة “المركزية الفلسطينية”. والوصلة الثانية من أغاني فرقة “العاشقين”. والأغنية الأخيرة من فرقة “الفنون الشعبية” واسمها “ايد بتخلع جواسيس وايد بتزرع حرية” هي من أغاني الانتفاضة الاولى التي تم تسجيلها من قبل الفرقة في السرّ. لا أحد يعرف من هو الشخص الذي كتب الكلمات أو الملحن أو حتّى المغنين. ومن بعد التسجيل على “الكاسيت” قامت الفرقة بتوزيع الأغاني سرّا على الناس. والكاسيت كان بمثابة بيانات سريّة. إذا الشخص غنّى الاغنية في مساحة عامة، من الممكن أن يعتقل. والمهم هنا ذكر أن الأغنية كان لها دور سياسي. مثلا، الأغنية من فرقة العاشقين “هبت النار واشهدي يا عالم على بيروت”، لديها رمزية وطنية شاعرية. أمّا أغاني الانتفاضة في 1987 و1988 كانوا عمل سياسي حقيقي. وأيضا قدمت الفرقة في الأمسية أغنية مصرية اسمها “غنّي يا سمسمية” التي تعود الى الفترة التي تعرف بحرب الاستنزاف أي بوجود المقاومة المصرية في وجه العدو الصهيوني.  

واضافة الى ذلك، قدّمت الفرقة أغنية “قطعنا النصراويات مرج بن عامر” التي هي أغنية شعبية. وتعتبر وثيقة تاريخيّة لأنها تتحدث عن النساء من مدينة الناصرة اللواتي تهجّرن إثر بيع مرج بن عامر للحركة الصهيونية من قبل اقطاعي من آل سرسق. ان الناس القاطنين على طول المرج تهجّروا، من ضمنهم النساء. إذا، الاغنية وثّقت الأحداث الحاصلة في تلك الفترة. من الصعب معرفة الشخص الي قام بتأليف أو تلحين أو حتّى غناء هذا الموروث الشعبي ولكنه يعتبر ارث وكنز عظيم يحفظ ذاكرة الشعب الفلسطيني. فمثلا، كلمات الأغنية تقول “قطعنا النصراويات مرج بن عامر/ يوم قطعنا المرج ناح بالبكى/ معهن حبالى / معهن مراضع/ معهن بنات البكر/ ما ينسخى بهن”. اننا نغني ذاكرة شعبنا لنحفظها من الاندثار. جورج الشيخ ابدى وجهة نظره ان الغناء الشعبي هو أيضا نوع من الثورة لأننا نحافظ فيها على اللهجة الفلسطينية. 

ان أغنية “فراقكو” مؤلفة من أبيات من التراث الفلسطيني التي لها علاقة بالغربة. الفنانة أمل كعوش وجدتها في كتاب بعنوان “الأغاني الفلكلورية النسائية لمناسبة الخطبة والزواج” للباحثة نائلة لبس، من مدينة الناصرة. الفنانة كعوش لحنّت الأغنية في عام 2016 تقريبا ولقد تم تسجيل الأغنية مع العازف مكرم أبو الحسن المتواجد مع الفرقة في الأمسية. ان الأغنية موجودة على يوتيوب ومن كلماتها: “لا تحسبوني غلقت الباب ونسيت /انا غلقته عقلي عندكو خليت /وحياة مين خلى الزيتون يعصر زيت/ أصعب من فراقكو أنا ما لقيت”.

وأخيرا، ذكرت الفنانة كعوش انها تحدثت مع صديق لها في غزة وهو طبيب في القطاع. ولقد طلب من كعوش أن ترسل له أغاني عبر تسجيلات صوتية من باب الترويح عن ذاته. ولقد كانت تتم التسجيلات بشكل عفوي. قرّرت كعوش والفرقة أن تصنع منها نسيج لعرض مميز، كانت نتيجته هذه الأمسية.

 

الأغنية للفنانة أمل كعوش على يوتيوب: 

فراقكو – أمل كعوش Fraekou (Farewell) – Amal Kaawash

https://youtu.be/Fs7dqifeoP8?si=Y8Wcz0qHqiU1mS6O