عماد القعقور | محرّر

مكافحة تغير المناخ، الحلقة الأولى: انتصار مونتريال

“الطقس مش عارف شو بدو. مين لاعب بالستينغز”. أصبحت هذه العبارات الساخرة تُستخدم أكثر فأكثر لوصف الطقس المتقلب الذي شهدناه في لبنان. مناخ لبنان المعتدل، كما كان ولا يزال يوصف في كتب الجغرافيا لدينا، أصبح نادرا في الآونة الأخيرة، وتركنا نواجه موجات حارة لا تطاق في الصيف وأمطاراً غزيرة مفاجئة في الشتاء. حتى أغنية وائل كافوري «معقول تشتي بآب؟» تم الرد عليه بنعم غير متوقعة في العام الماضي. السبب وراء هذه التغيرات في الطقس، بعبارة أخرى الذي ”تلاعب بالستينغز“، ليس سوى تغير المناخ الذي يسببه الإنسان. وفي الواقع، وفقا للعلماء، فإن ما نشهده اليوم هو أحد آثاره الأكثر مباشرة.

النضال من أجل الحد من تغير المناخ هو أحد أكثر القضايا توحيدًا في المجتمع الدولي منذ عام 1992 مع التوقيع على معاهدة الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. وكان أحد النجاحات الكبرى الأولى التي نتجت عن هذا المسعى هو بروتوكول مونتريال الذي يهدف إلى الحد من تدهور طبقة الأوزون.

فما هو بروتوكول مونتريال؟

تم التوقيع على هذا البروتوكول في عام 1987، ويهدف إلى حماية طبقة الأوزون عن طريق الحد من استخدام المواد المستنفدة له التي تهدد سلامتها وتتركنا عرضة للأشعة فوق البنفسجية والمشاكل الصحية التي تسببها مثل سرطان الجلد و إعتام عدسة العين وتلف الجهاز المناعي . وقد حصلت هذه المعاهدة على الابرام العالمي,إنجاز لم تحققه سوى ندرة من الاتفاقات الدولية, وألزمت الموقعين عليها بالتخلص التدريجي من استخدام أي مواد صناعية قد تهدد طبقة الأوزون. 

ومع استمرار التقدم العلمي، تم إدخال العديد من التعديلات على الاتفاقية، وكان أحد أكثر التعديلات تأثيرًا في عام 2007 هو القضاء على استخدام مركبات الهيدروكلوروفلوروكربون بحلول عام 2030، وهي عنصر مهم في إنتاج مكيفات الهواء والثلاجات.في الواقع، تعتبر مركبات الهيدروكلوروفلوروكربون من المواد المستنفدة للأوزون والغازات المسببة للاحتباس الحراري. ووفقا لبرنامج البيئة التابع للأمم المتحدة، فإن تأثير هذه المواد على المناخ أقوى بألفي مرة من المواد المشتبه بها العادية , التي نفكر فيها عند النظر في ظاهرة الاحتباس الحراري مثل ثاني أكسيد الكربون وأول أكسيد الكربون. و هي تدمر طبقة الأوزون عندما يصل جزء من هذه الغازات إلى طبقة الستراتوسفير وتتحلل بسبب الأشعة ما فوق البنفسجية ما يؤدي الى انتاج الكلور الذي يتفاعل مع جزيئات الأوزون مما يقود إلى تفكك الطبقة الواقية التي تغلف كوكبنا.

نجاح البروتوكول:

إن مجرد القول بأن بروتوكول مونتريال كان ناجحًا ليس كافيا لإظهار مدى التأثير الايجابي الذي حققه . إن الهدف الذي حددته هذه المعاهدة في طريقه إلى أن ينجز حيث نجح الموقعون في التخلص التدريجي من ثمانية وتسعين بالمائة من المواد التي تهدد الأوزون. وفي الواقع، لم يقتصر الأمر على الحد من معدل استنفاد طبقة الأوزون فحسب، بل ساهم أيضًا في تعافيها. وتشير التقديرات إلى أن الحفاظ على طبقة الأوزون قد حال دون إصابة ما يقارب المليوني شخص سنويا بسرطان الجلد وغيره من الحالات الناجمة عن التعرض للأشعة فوق البنفسجية . وهذا ليس كل شيء، إذ يعتقد العلماء أيضًا أن الانبعاثات التي أوقفتها هذه المعاهدة كانت ستؤدي إلى زيادة قدرها 0.5 درجة مئوية في درجة الحرارة العالمية، وهي كمية كبيرة عندما ندرك أن الزيادة بنحو 2 درجة مئوية تعتبر كارثية من قبل علماء المناخ.

لن تكون مونتريال هي البروتوكول الأخير الذي تم التوقيع عليه من قبل دول العالم أجمعه، لكنها ستكون الوحيدة التي حققت مثل هذا النجاح المذهل. وفي السنوات التالية، سيتم الاتفاق على بروتوكول في كيوتو غير أن هذا الأخير لن يكون بفعالية مونتريال و سيفشل في تحقيق هدفه وسيسلط الضوء على الصعوبات التي يواجهها التعاون العالمي في مكافحة تغير المناخ.