هند الصباغ | محرّر

باستطاعتك مقاربة الشعور كالنحلة في رغبتها أن تطير وتحط على زهرةٍ في آنٍ معاً. هكذا هي العشرينات: صراع قائم بين ضرورة العمل والتخطيط للمستقبل وبين استغلال كل هذه الطاقة والعفوية القابعة في قلوبنا. 

عندما تكون عشرينياً، تصبح راشداً بروح طفلٍ لم يختبر الواقع بعد. ولَّت سنين المراهقة وأمسيت أنت في نظر الأهل والمجتمع بالغاً ومالكاً لمساحة حرية لا يستهان بها. ومع ذلك، لا تزال النظرة الرومنسية لماهية الحياة غالبة. فأنت لا تعرف تماماً بعد كيف بإمكانها أن تكون قاسية، ظالمة وغير عادلة، تراها ببراءة الأصم الذي مرَّ من جنب رجل يصرخ مستغيثا فلم يقف ليجد مصدر الصوت ليساعد. 

في العشرينات، ترى أن جميع الناس “خير وبركة”، فينا القدرة لنثق ونحب ونخاطر كما لو لم يكن هنالك غداً. نطالع النجوم طوال الليل ونحن نعدُها، نضحك ونتسامر حتى نرى شعاع الصباح فنتأمل الجمال طويلاً.. لدينا وقت. 

في هذا العقد من الزمن، نريد أن نرقص على خشبة مسرح الحياة، حفاة، لأننا مفعمون بها ولدينا الجرأة لتحدّيها.. 

في العشرينات، روح المغامرة عالً وتجرع الادرينالين طاغً.

***

وفي الشطر الآخر من العمر، يتصاحب بلوغ العشرين مع تحمل المسؤولية والاتكال على الذات. فمن هنا، لم يعد الجلوس أمام التلفاز لمشاهدة مسلسلاتنا المفضلة معظم الوقت أمراً مستحباً كثيراً. لا يجب علينا زيادة العبء على أمّنا فلم نعد نطلب منها كوب الشاي بل نحضره بأنفسنا، لأنفسنا، خالٍ من حبها ولا يشبه طعمه ذاك الذي ارتشفناه في طفولتنا. أصبحنا على وعي أكبر لنلاحظ صعوبة العيش في ظل عجلة اقتصادية لا مهرب من دورانها، فبتنا نقدّر آبائنا أكثر، ويمسي التفكير بالاستقلالية المادية أمراً جديّاً وطارئًا. 

أضف على ذلك، مسؤولية الجامعة أو العمل. فيسكننا الخوف والتوتر من القادم غير المعلوم. في أذهاننا مراحل علينا تخطيها وإلا سنُتّهم بالتقصير واللامسؤولية. 

هكذا تمسي أيامنا.. كما لو أن أحداً يطاردها، ونحن نمضيها بين صفحات الكتب، ندرس أمام شاشة اللابتوب لننجز مشروعا ما..

كم من غروبٍ خاطف للأنفاس يمر بلا أن تتاح لنا الفرصة بالاندهاش به، وكم من نجمة انتظرتنا الليل بطوله لنتحدث تحت نورها.. فخُذلت. 

وفجأة، وبلا أي سابق إنذار، نستيقظ يوماً ما على الاحساس بهدر عشرينياتنا على أشياء لم تجلب لمعظمنا المتعة الحقيقية، فما يلبث أن يلي هذا الاحساس بتحفيز لا يقارن، نقنع به أنفسنا أننا نبني لحياة مستقرة خالية من الهم والخوف. 

فنكون قد ضحيّنا بالعشرينات لكي نكون مرتاحين في الثلاثينات، فيصدر صوت الضحك الممزوج بالتهكم من أولئك الأكبر منّا. ونتساءل، يا ترى، أحقاً لا راحة في الحياة كما يقولون؟ 

ومع ذلك، نكمل مسارنا كما خططنا.. فمن “يزرع يحصد”. وبناءً على كل هذا، هل هناك طريقة لخوض فترة العشرينات بلا أن نُفوّت على أنفسنا السحر الذي يصحبها؟ 

إنني أرى في هذه المرحلة ضياع كامن لا بد منه. ولكن بإمكاننا دوماً أن نقلب الموازين بإيجابية. فلكل موقف منفذ يتيح لنا استغلال الفرص. لذلك لندع هذا الضياع في بداية أعمارنا يكون رحلة لاكتشاف ذاتنا ومن نريد أن نكون في الحياة. ولا بأس من الخوف فهو لن يختفي ما دمنا نتنفس، سيجد سبيلا للتسلل إلى قلوبنا مهما حاولنا الهروب منه. لأن الحياة هي عبارة عن مشاكل متتالية لا ننفك نجد لها حلاً حتى تخرب من جهة أخرى. 

فلنواجه إذاً ونخفف عن أنفسنا عبء الانجاز السريع في هذا العمر، كل شيء يتطلب الصبر والوقت. أما بالنسبة لكل غروب يفوتك، فخذ قراراً واعياً ألا يفعل، جد له تلك اللحظة واستمتع به، لأنك اليوم لست أنت غداً، ستفقد وتكسب أموراً كثيرة على الطريق ولكن الذكريات وحدها ستبقى.. فاسرق من الوقت لحظات، علك تتوسد بها يوم يصعب عليك المشي..