روزا | محرّر

يروي نصُّ إنجيلِ يوحنّا المقدّس أنْ “كان في قانا الجليل عرس، وكانت أمُّ يسوع هناك”، عرس تحوّل الماءُ فيه لخمر، عرس حضره المسيح على أرض الجنوب، أنبأ تلاميذه بصدق قدسيّته، مبارِكاً الأرضَ التي وطأت عليها قدماه، فقد اختار له الله من بين كل الأصقاع، مغارةَ جبل عامل، لتشهد فيها على أوَّلِ معجزاته. ول”شمعونَ الحورانيّ” وصيّ عيسى “ع”، منزلةٌ بالجنوب أيضا، اثنتين وعشرين كم إلى جنوب قانا، حتى تصل لمقام شمعون المقدّس، بحيث تروي الأحاديث أنّ كلّ من نذر نذراً عند “بطرس” لم يخيِّب الله ظنه، وما بالك عن النبي ساري وبنيامين و”خضر إيليا”، والأولياء الصالحين. فهاك “جبل عامل”، حاضن الأنبياء، بركةُ الله من السماء، قد جعله الله جبل التّين والزيتون. جبل الأنفس الزكية، والأرض المطهرة. 

وللجنوب، أي جبل عامل، أيضا الكثير من المعجزات غير المَرْوِيّة، فإنَّ كلّ من يقف على قمّة إحدى الهضبات، ويسترقُ السّمع، ويصغي، لهمستْ بأذنيه تراتيل سماوية، وضحكات أطفال وحياة. وكلّ من فتح عينيه، وأمعن بالأودية والتراب، لَلَمح أينما وقع بصره، “شقائقَ نعمانٍ” حمراءَ هنية، تُسِرُّ النّاظرين، تفترش الأرض بعدما رَوتها دماء وحرية. 

هناك في جبل عامل، سترى أكثر بكثير مما روتِ الحكايات ووصفت، وستدرك أن لا قصيدةَ وفت الجنوبَ حقه، حتى لو قال زياد الرحباني “خلصوا القصائد هني ويغنّوا على الجنوب”، فالجنوب أكبر من ذلك بكثير. في الجنوب رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، لحقوا بركب محمد وعيسى لحمل لواء التَّحرر، في الجنوب أطفال حوَّلوا الماء في الكؤوسِ دماء، في الجنوب نسوة غليَْن الزّيت ترميهِنَّ على الأعداء. 

فهل أحد مثل أهل الجنوب؟ 

حتّى غروب الجنوب غير، وشروقه غير، فالجنوب رواية أخرى، بكرامة أخرى. أرضه تروي للسماء حكاياه، عن بساتين اللَّيمون وحقول التَّبغ، عن فلاحين صمدوا كجذور الأرز في التراب، شامخن مثل جبل عامل، تتعطّش لهم الأرض إذا غابوا، فيروونها تعباً أو دماء. فهي أرض طاهرة، إن وطأتَها فاخلع نعليك، واعمل بوصية الشاعر عمر الفرّا، الذي فرى قلبَه حبُّ الجنوبِ وهواهُ. 

لولا الجنوب لما تحرَّر الوطن، ولولا تانك الزنود، لكنا من 82 مستعمَرين محتلّين، نرتجي من دول عربية “خبيثة”، نجاة، فما باليد حيلة. أقول لكم، لولا الجنوب، لما كان لبناننا، لولا “علي الطاهر”، و”سجون الخيام”، و”مرجعيون”، و”النبطيه”، و”كفر كلا”، و”ارنون” و”سجد”، لما تنعمنا بالسعادة. لولا الجنوب لما كان يحضننا الوطن.