زينب ربيع تقش |  محررة

قيل يومًا: “العلمُ في الصّغر، كالنّقش في الحجر”، وليتهم شبّهوه ب “تفتيت الحجر”. فمع انطلاقة كلّ عامٍ دراسيٍّ جديد، تخوض الحكومة اللبنانية ملحمةً لتُفتّت أحجار المشاكل الملقاة على طريق التعليم. ويتخوّف أهالي الطلاب من إضراب الأساتذة وما يتبعه من غرق أولادهم في مستنقع الفراغ الّذي ينوب عنهم في صفوف مدارسهم. ولا لومَ على من أفنى حياته في طلب العلم والمعرفة ثمّ بذله في سبيل نهضة مجتمعه، فلاقى جزاءه: “تعليمٌ بالسّخرة”.

لكن، 2023 أنجبت عامًا دراسيًّا جديدًا مختلفًا عمّا سبقه، لا يتبعُ نسق أمثاله الأربع الماضية الممهورة ب “الإضرابات أو التعطيلات القسريّة”. إذ طلبت وزارة التربية والتعليم العام الماضي سلفةً بقيمة 15 ألف مليار ليرة من الحكومة، ووافقت الأخيرة على تقسيمها إلى ثلاثة دفعات من دون إقرارها كاملة، وصرفت الجزء الأوّل.

ومع حلول 2024، أوشكت السلفة الأولى على النّفاد، حيثُ صرفتها الوزارة كمبالغ إضافية على الرواتب، تراوحت بين 300 دولار لأساتذة التعليم ما قبل الجامعي والموظفين الإداريين في الوزارة والجامعة اللبنانية، و650 دولاراً لأساتذة الجامعة اللبنانية، فأنقذت بذلك ما مضى من العام. ولكن، حتّى السّاعة، ما من بوادر لصرف سلفةٍ جديدة للاستمرار بالدفع وصرف نظر الأساتذة عن الإضراب. فانطلقت مطالبة رابطة الثّانويّ ب “ضرورة العمل على تصحيح الرواتب، وإصدار سلسلة رواتب جديدة، ورفض بدعة المساعدات وبدلات الإنتاجيّة”، وأكّد رئيس الرابطة أنّ “الوضع المالي في الدّولة إيجابيّ، هناك جباية ووفر، ولا حاجة للقروض والمساعدات لتصحيح الرّواتب”.

ومع هذه المطالبة، تعودُ 2024 لتمسكَ بيد العام الدّراسيّ وتُسلكه دربَ ما مضى من الأعوام، فبدأ الخوف من الإضراب رغم تأكيد وزير التربية والتعليم عباس الحلبي على “توافر الأموال حتى نهاية العام الدراسي”، دون تحديد كيفية توافرها بعد نهاية السلفة الأولى. كما وأشارت مصادر الثانوي إلى أنّ الحلبي “وعد بالعمل على إيجاد صيغة لتمرير أشهر الصيف التي تنقطع خلالها الحوافز المرتبطة بالحضور إلى مركز العمل”، وأكّدت على “تزخيم العمل لإيجاد حل لانقطاع الحوافز في العطلة الصيفية في الشهرين المقبلين”.

وفي نقيض لذلك، انطلقت شائعات عن نيّة الحلبي  ب “عدم إجراء امتحانات الشهادة المتوسطة، البريفيه، هذه السنة” بحجّة “عدم توافر الأموال”. ورغم أن لا قرار رسمياً حتى الآن، بدأت بعض المدارس الخاصة بإبلاغ تلامذتها عدم إجراء امتحانات رسمية هذه السنة، من دون تحديد البديل منها للترفيع إلى المرحلة الثانوية. و”يا محلا” مستنقع الفراغ “قدّام” مستنقع عدم الإستقرار النفسي للتلامذة.

ويزيد الضّغط على نفقات وزارة التّربية إثر تحرّك جديد في السّاحة التعليميّة. حيثُ صدحَ صوتُ نقابة المعلّمين في المدارس الخاصّة لبحث دعم الأساتذة المتقاعدين، إذ قال رئيسُها إن النقابة تنتظر “ضمانات جدية لتمويل صندوق التقاعد وتحسين رواتب المعلمين المتقاعدين التي تتراوح بين مليون و500 ألف ليرة و3 ملايين ليرة وتأمين العيش اللائق لهم” بالتساوي مع زملائهم الأساتذة المتقاعدين في التعليم الرسمي.

ورغم كثرة القيل والقال، يبقى الأمل يجوبُ بلادنا، يقرع الأبواب، ويدخلها دون استئذان. يخطّ لنَا في الأفق بعضًا من “سعيد عقل”: “سوف نبقى يشاء أم لا يشاء الغير فاصمد، لبنان، ما بك وهن”.

 

المصادر:

السلفة الحكومية نفدت: هل يتوقف العام الدراسي؟ (جريدة الأخبار)

إضراب المدارس الخاصة معلّق على اجتماع الوزارة (جريدة الأخبار)