عماد قعقور | محرر

في تشرين الثاني من العام الماضي، كان أحد المواضيع التي ناقشتها اللجنة النيابية للبيئة هو التلوث الذي تعاني منه المنطقتان الشماليتان شكا والكورة. وبحسب السكان المحليين، فإن السبب الرئيسي وراء التدمير التدريجي للخضار و الجمال الطبيعي لهاتين المنطقتين هو المقالع ومصانع الإسمنت التي تنهش جبالها. لكن هذه القضية ليست حديثة، فمعاناة سكان المنطقة وصراعهم مع الشركات التي تحتكر قطاع الإسمنت مستمر منذ سنوات عديدة. فكيف تمكنت ثلاث شركات من احتكار صناعة الإسمنت اللبنانية؟ ما هي التأثيرات البيئية لانتشار وباء المقالع غير المنظمة؟ والأهم من ذلك كيف يؤثر ذلك على صحة المواطن الذي يسكن بجوار تلك العمليات غير القانونية؟

ثالوث الاسمنت:

في العقدين الأخيرين،استطاعت ثلاث شركات للأسمنت من خلال التدخلات السياسية المتعاقبة و المخططة جيدًا أن ترسخ احتكارها لهذا القطاع الصناعي: أولاً، من خلال الرسوم الجمركية المرتفعة التي فرضت على واردات الأسمنت بنسبة 75%، في عام 2001، مما أدى إلى منع أي شركات أجنبية من الدخول الى السوق اللبنانية. غير أن ذلك وحده ليس مشكلة، و من الممكن حتى اعتباره خطوة تم اتخاذها لدعم الصناعة اللبنانية المحلية، غير أن المنافسين الأجانب ليسوا المستهدفين الوحيدين. بالفعل، حتى يومنا هذا، ثلاث شركات لبنانية فقط مُنحت ترخيصًا حكوميًا لممارسة أنشطتها الصناعية في لبنان و ذلك نتيجة غياب أي شفافية في النظام المعتمد لاصدار هذه التراخيص ، ما منع وجود أي منافسة محلية لهذه الشركات الثلاث. الأنشطة الصناعية الرئيسية ومخرجات التعدين لاثنتين من هذه الشركات، هولسيم وسيمنتري ناسيونال التي تشكل حصتها من السوق ما يقرب من 82٪ من سوق الأسمنت اللبناني، تتمركز بشكل أساسي في شكا و الكورة ما يشكل ضغطًا كبيرًا على بيئة المنطقة.

الأثر البيئي للمعامل و المقالع:

في جميع أنحاء العالم، تعد صناعة الأسمنت ككل مسؤولة عن ما يقارب خمسة بالمائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وفي لبنان، بحسب مدونة إيكو سنترا، يعتبر الأسمنت السبب الرئيسي لمثل هذه الانبعاثات. وإلى جانب هذه الانبعاثات، تؤدي كذلك الى إنتاج أكاسيد النيتروجين وأول أكسيد الكبريت ما يساهم في هطول أمطار حمضية تضر بالنباتات في المنطقة من خلال التأثير على العناصر الغذائية في التربة وعلى المباني والجسور عن طريق التسبب في تآكل الفولاذ.

ولا يقتصر الضرر على الهواء، حيث لا تترك مصادر المياه والتربة دون ضرر بسبب أنشطة التعدين غير المنظمة. فعلى صعيد التربة، فإن التوسع غير المنظم للمقالع لتغذية مصانع الأسمنت قد تعدى على العديد من المناطق الصالحة للزراعة مما يهدد الإنتاج الزراعي. بالإضافة إلى ذلك، فإن معظم المحاجر تقع على منحدرات شديدة مما يؤدي إلى زيادة خطر تآكل التربة والانهيارات الأرضية. أما بالنسبة للمياه، فالتخلص العشوائي من نفايات عمليات التعدين يؤدي الى زيادة تركيزات المعادن في مياه المجاري المجاورة وكذلك تلوث المياه الجوفية.

الاثر الصحي للمعامل و المقالع:

أحد المخاوف الصحية الرئيسية هي تلوث الهواء. تولد هذه الأنشطة الصناعية الغبار والجسيمات، فالتعرض لفترات طويلة لهذه الملوثات يمكن أن يؤدي إلى مشاكل في الجهاز التنفسي مثل الربو والتهاب الشعب الهوائية وأمراض الرئة الأخرى. يمكن أن تدخل الجسيمات الدقيقة أيضًا إلى مجرى الدم وتسبب مشاكل في القلب والأوعية الدموية. فبحسب د.سمر نجار,تبلغ نسبة السرطان في الكورة ثلاث الى خمس أضعاف المعدل العام في البلاد و مع ارتفاع هذه النسبة كلما اقتربت تالمناطق السكنية من شركة الاسمنت.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الضوضاء الناتجة عن المحاجر ومصانع الأسمنت يمكن أن تسبب التوتر واضطرابات النوم وضعف السمع بين السكان القريبين. وللضوضاء العالية المستمرة كذلك آثار ضارة على الصحة النفسية، مما يؤدي إلى زيادة مستويات القلق.

في الختام، في حين أن صناعة الإسمنت قطاع مهم في الاقتصاد اللبناني، إلا أنه لا ينبغي السماح لها بالانتشار والازدهار على حساب ثروات لبنان الأكثر قيمة: طبيعته وشعبه. لقد عانى سكان الكورة بالاضافة الى مناطق أخرى في البقاع و الشوف لفترة طويلة بما فيه الكفاية من إساءة استخدام القانون من قبل هذه الشركات ويجب على الحكومة التدخل من خلال إيجاد توازن مناسب بين الاحتياجات الاقتصادية و سلامة الناس.