هشام طرباه |  محرر

من رائحة المقلوبة في الأفرح إلى حلاوة الكنافة التي يحبها كل صغير و كبير تعد المائدة الفلسطينية شكلا من أشكال الفن الذي يجمع بين التاريخ و الثقافة و الجوهر المثير لروح أرض متجذرة بعمق في تراثها الطهوي المطبخ الفلسطيني عبارة عن نسيج من تاريخ غني و جغرافيا متنوعة و تراث ثقافي عميق يمتد لقرون. تقع تقاليد الطهي الفلسطيني في قلب الشرق الأوسط، ويعكس تقاطع النكهات والتقنيات والقصص التي شكلت المنطقة.  يتجاوز هذا المطبخ مجرد سبيل العيش، فهو يجسد تعبيرًا نابضًا عن الهوية الفلسطينية وشهادة على صمود شعب عانى قرونًا من التاريخ. على مفترق طرق بلاد الشام، يستمد المطبخ الفلسطيني إلهامه من تقاليد الطهي في منطقة البحر الأبيض المتوسط ​​و الجزيرة العربية و شمال أفريقيا، مما يؤدي إلى مزيج فريد من النكهات. لقد زودت الأراضي الخصبة و المناخ المعتدل في المنطقة المطابخ الفلسطينية بوفرة من المنتجات الطازجة و الموسمية، من الفواكه النضرة في وادي الأردن إلى بساتين الزيتون التي تتميز فيها هذه المنطقة.

المائدة الفلسطينية فسيفساء من الأطباق التي تحتفي بنكهات المكونات المحلية. غالبًا ما تتمحور الأعياد المهيبة حول الحبوب الأساسية مثل البرغل و الأرز، بالإضافة إلى مجموعة من الخضار و البقوليات واللحوم المشوية. الأطباق المميزة مثل المقلوبة، وهو طبق يتكوّن من أرز مع خضار مقلية متنوعة، من ضمنها الباذنجان أو القرنبيط أو البطاطا أو الفول الأخضر، وقد يستخدم مزيج من هذه الخضروات، ويوضع معها اللحم كلحم الضأن أو الدجاج. والمسخن، وهو دجاج متبل بالسماق مزين بالبصل المكرمل على خبز مسطح. أما الكنافة النابلسية، فتعد عجينتها من الطحين والسمن والماء بشكل أساسي، وعند صناعتها يتم فركها وتفتيتها لقطع صغيرة، ثم توضع فوق إناء نحاسي كبير (سدر) موضوع فوق النار ليتم شويها ومن ثم وضع الجبن البلدي فوقها لتحمى على النار قليلا، ثم تقلب بإناء آخر ليرى وجهها الأحمر ويسكب فوقها السكر المعقود (القطر). هذه الاطباق شهادات على براعة الطهي المتأصلة في الأسر الفلسطينية. علاوة على ذلك، يعد المطبخ الفلسطيني شهادة حية على تاريخ المنطقة والشبكة المعقدة من التأثيرات الثقافية التي شكلت مشهد تذوق الطعام فيها. وهو يروي حكايات عن طرق التجارة التي ربطت بين الحضارات القديمة والهجرات والروح الدائمة لشعب مرتبط بأرضه. لقد تم تناقل فن التخليل والتجفيف بالشمس و الطهي البطيء عبر الأجيال، مما يحافظ على جوهر الوصفات العريقة.

في عمق التحديات السياسية و الاقتصادية الموجودة في المنطقة، يقف المطبخ الفلسطيني كرمز للوحدة و الصمود للحفاظ على هوية البلاد، و المثابرة و العزم على تثبيت العادات و التقاليد، و يدعو العالم لتذوق عمق التاريخ المغلف في كل طبق و تقدير الفن الذي يصنعه الأفراد في هذا المجتمع، الذين حافظوا، رغم كل الصعاب، على تراثهم الطهوي كمنارة الاستمرارية.