أليسار إزرافيل | كاتبة

في إطار أسبوع فلسطين، أقام مركز الدراسات العربية ودراسات الشرق الأوسط في الجامعة الأميركية في بيروت ندوة حوارية حول “حرية الصحافة في زمن الإبادة” في قاعة المحاضرات في معهد عصام فارس، نهار الاثنين الواقع فيه 4 آذار، 2024. 

المتحدثون في الندوة هم/ن: د. ندى عبد الصمد، حائزة على شهادة الدكتوراه في الصحافة وصحفية لديها 35 سنة من الخبرة. ايلي براخيا، صحفي في الجزيرة ومصوّر بدأ مسيرته الصحافية منذ 1994 وانضم إلى قناة الجزيرة في 2005. شذى حنايشة، صحفية من جنين منذ عام 2015 وشاهدة على اغتيال الصحفية الشهيدة شيرين أبو عاقلة، وأول من حصلت على منحة الشهيدة شيرين أبو عاقلة للدراسات العليا في الإعلام في الجامعة الأميركية في بيروت. نور سليمان، حاصلة على شهادة ماجستير في الاتصالات والإعلام وهي صحفية مستقلّة. د. ساري حنفي، أستاذ علم الاجتماع، الجامعة الأمريكية في بيروت ورئيس الجمعية الدولية لعلم الاجتماع. ولقد دارت الجلسة د. سارة مراد، أستاذة محاضرة في الإعلام في الجامعة الأميركية في بيروت.

قدمت د. سارة مراد لمحة عن مواضيع الجلسة منها، ما هي حرية الصحافة وما هو المعنى الكامن وراء حرية الصحافة؟ وما هي الإبادة وأشكالها العديدة، ما هو دور الصحافة في زمن الإبادة؟ وما هي التحديات التي يواجهها الصحفيون والصحفيات الفلسطينيين في ظل استهدافهم المباشر بالرصاص منذ بدء الحرب على غزة في السابع من أكتوبر 2023.

باشرت د. ندى عبد الصمد بالتحدّث عن أن “انحياز الصحافة لا يعتبر من حرية الصحافة” وأن هناك مؤسسات تدعي الحياد والتوازن والموضوعية ولكن الحقيقة ليست كذلك. وقالت ان “المشكلة التي نواجهها في مهنتنا هي أننا لا نستطيع أن نتكتل مع غيرنا وان نقول السردية كما هي، المتوافقة مع القضية الفلسطينية ومع فلسطين بشكل عام وغير منحازة تجاه العدو الصهيوني. على النقاش في قضايا جوهرية أن يكون صحي داخل المؤسسات الإعلامية حتى لو تبين أن الوجهات النظر متناقضة، بالتالي، النقاش يساعد في بناء “الوعي المجتمعي” في البلاد ويطور أساليب حوار بين بعضنا البعض”. أمّا الصحفي والمصور ايلي براخيا، فلقد أعطى أهمية للصورة الآتية من قبل المصور في الميدان. “لا يمكن أن أغيّر في الصورة. الصورة يجب أن تنقل كما هي وخصوصاً عندما نصور مأساة ما، المآسي تتحدث عن نفسها. لدينا الحرية الكاملة بالتصوير والمونتاج ولكن السند الأساسي هو الصورة”. مثلاً، “في الجنوب، تعرضنا الى القصف من قبل العدوان الإسرائيلي. بالرغم من ذلك، أن الخطر الحقيقي على الصحافيين هو عندما يقولوا الحقيقة. مع الأسف، الناس أصبحت خائفة من قول الحقيقة ضد الكيان الصهيوني”.

تحدثت الصحفية شذى حنايشة عن تجربتها في الصحافة. وبدأت حديثها بالقول إنه “لا يمكننا أن نبتعد عن عملنا في الصحافة. بعد السابع من أكتوبر، تحديداً في منطقة شمال الضفة الغربية، شهدتُ على حجم العنف الذي تعرضتُ له من قبل جيش الاحتلال. العنف مستمر منذ 75 سنة. في 11 أيار سنة 2022، نهار المشؤوم أمام هول حدث اغتيال الصحفية الشهيدة شيرين أبو عاقلة تمكّن الجيش الإسرائيلي بتخطي كل خطوط الإنسانية. تعمد جيش الاحتلال بإطلاق الرصاص المباشر علينا والرمي قنابل الصوت والغاز. يجب أن أشير للشروط الموجبة علينا كصحافيين لحماية أنفسنا، هي أن نضع الخوذة والدرع واللباس المكتوب عليه “صحافة” ويجب أن نتحرك بشكل جماعي لنكشف أنفسنا أمام جيش الاحتلال بأننا صحافة”. وأضافت حنايشة،” الى حد الآن، تم اعتقال 56 صحفي ومن بينهم 37 صحفي معتقل بحكم و21 صحفي معتقل إداري. إن المؤسسات الصحافية تستغل الصحافيين من خلال بقائهم لساعات طويلة في دوام عملهم مقابل أجر زهيد. وبعض المؤسسات لا توفر وسائل الحماية للصحفيين. اذاً، لماذا مستمرين في التغطية إلى حد الآن؟ لأن الصحافي هو صوت الناس وهو الصوت الذي ينقل الحقيقة. لقد رأينا حجم العنف ولمسناه لمس اليد لذلك يجب أن نكون صوت الناس ونقل قصصهم الى العالم، وبذلك نكون قد أدينا رسالتنا في الصحافة”. مع بدء الحرب على غزة في أكتوبر الماضي، شذى شعرت بأن مكانها ليس هنا في بيروت وأن مكانها يجب أن يكون في فلسطين لتغطي الأحداث الجارية. أشارت حنايشة إلى الفرق بين الناشط والصحفي. وتابعت بالقول “أن في فلسطين مثلا، الناس هم “صحافة المواطن” الذين يوثّقون الجرائم الذي يرتكبها الاحتلال. أما الصحفي، فدوره أن يحكي قصة الأشخاص خلف الدمار وينقل الواقع كما هو. وأخيرا، القضية الفلسطينية هي قضية وجود.”

الصحفية نور سليمان أعربت عن “أن التعامل مع حدث أو كارثة غير مسبوقة (أي إبادة جماعية على مدى 6 أشهر في فلسطين) صعبة للغاية. إضافة الى استهداف واستشهاد الصحافيين الفلسطينيين واللبنانيين على الحدود الجنوبية للبنان”. والأسئلة المطروحة هنا من قبل سليمان، “هل يطلب من الصحفي أن يتماهى مع السياسات التحريرية للمؤسسات التي يتعامل معها؟ هل يجب اعتبار الرأي المختلف إضافة جيدة على المؤسسات الصحفية؟ هل يمكن اعتبار أن وسائل الإعلام الغربية تتبنى السردية الإسرائيلية؟ ولماذا الدولة والإعلام اللبناني غائب في لبنان؟ ولماذا العملية معقدّة في الحصول على المعلومات؟ بخصوص تغطية الأحداث على الوسائل التواصل الاجتماعي، هل يعتبرون أنفسهم صحفيين وناشطين؟” أضافت سليمان، الى أن “الدولة جاهزة بكل الأشكال لقمع المتظاهرين والأصوات التي تعبر عن الرأي بالحريّة”. ولكن المؤسف، “أن الدولة غائبة عن تغطية الأحداث الواقعة في جنوب لبنان وغيرها من المناطق المتضررة جراء القصف الإسرائيلي على لبنان.”  

أضافت د. مراد أسماء شهداء صحافيين الذين استشهدوا على الحدود اللبنانية منهم فرح عمر وعصام العبدلله. وطرحت السؤال الذي يجول في أذهان العديد من الناس وهو” لماذا نقوم حتى الآن بإرسال الصحافيين، الى الموت، لتغطية الأحداث الخطرة على الحدود الجنوبية وهم في احتكاك مباشر مع العدو الصهيوني؟” وردّ الصحفي ايلي قائلا: “إذا لم نغطّي الأحداث، ستخلق مشكلة أساسية. يجب أن نساعد النّاس وأن نخبّر قصصهم وهذا هو واجبنا مقدس. نحن الصحافيين نشعر بالرضا عندما ننقل رسالتنا الى العالم. مثلا، اذاً لم يكن هناك أي صحفي مراسل في الجنوب، بالتالي، لا يمكننا أن نعرف سير الأحداث الحاصلة في الجنوب. لذلك ضميرياً واخلاقياً، لا يمكن أن نسمح لأنفسنا أن نبقى بعيدين عن موقع الحدث”.

مداخلات من الجمهور:

 جنى بزّي، طالبة ماجستير في الإعلام في الجامعة اللبنانية، أضافت إلى أن الصحافة هي “مهنة المتاعب” لأن الشخص الذي يختص بالصحافة هو على علم بأن هذه المهنة فيها كمّ من الخطر المباشر على حياته لأن بطبيعة الحالة الصحافيين في هذه المنطقة يعلمون انهم متواجدون في منطقة صراع. من واجبات الصحفيين ان يذهبوا الى المناطق الخطرة وأن يغطوا الأحداث. وإذا لم يعد هناك أي صحفي متواجد في مناطق النزاع لتغطية الأحداث. 

ميسلون طفيلي، طالبة إعلام في الجامعة اللبنانية الأميركية، أشارت الى أن عدونا واحد. كان ولا يزال عدونا قبل وجود وسائل التواصل الاجتماعي ومع وجود التواصل الاجتماعي أصبح أي إنسان منا قادر على نقل الحقيقة.

وختمت د. مراد الندوة قائلة إن النقاش كان غني وقد طرح العديد من الأسئلة بما يخص دور الصحافي والإعلامي في لبنان وفي فلسطين. إضافة إلى النقاش حول أهمية التدقيق بالمعلومات وازدواجية المعايير والنظام العالمي المتواجدين فيه. مع كلمات شكر.