وليد عبد الخالق | محرّر
أبرز معارضين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أليكسي نافالني، توفي نهار الجمعة الواقع في 16 من هذا الشهر في سجن القطب الشمالي في أوكروغ يامالو-نينتيس الذاتية. وفاة المعارض الروسي لقت ردّات فعل واسعة على الساحة العالميّة تزامناً مع اقتراب الإنتخابات الرئاسية في روسيا والتي ستقام في ال17 من مارس 2024 حسب إعلان مجلس الإتحاد الروسي. من هو أليكسي نافالني؟ كيف كانت ردّات الفعل على الساحة العالمية على خبر الوفاة ؟ وما هي الخطوات التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه روسيا ؟ لماذا تم التأخير في تسليم جثة نافالني للطب الشرعي لتتم مراسم الدفن بشكل طبيعي ؟
أعلنت مصلحة السجون الروسية وفاة السياسي الروسي المعارض أليكسي نافالني في سجن داخل الكيان الفيدرالي نينتيس الذاتية داخل القطب الشمالي في يوم 16 من الشهر الجاري. أفادت التقارير أن نافالني كان قد شعر بوعكة صحيّة وهو يتنزّه في السجن ما أدى إلى غيابه عن الوعي، وأكّدت أن فرق الإسعاف قامت بكل ما كان باستطاعتها لإنقاذ حياته ولكنها لم تجدي نفعاً. ولكن هذه السرديّة لم تلقى قبولاً على الساحة الغربيّة، فأعلنت أغلبيّة الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية على لسان رئيسها جو بايدن باتهام بوتين بتصفية أليكسي نافالني وذلك تمهيداً للفوز بالانتخابات الرئاسيّة في مارس.
كان أليكسي نافالني من أبرز المعارضين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكان قد قام بإنشاء موقعاً إلكترونيًّا لإظهار مواقفه وكشف ما يجري تحت الطاولة من تلاعب وغش في مؤسسات الدولة. كان نافالني قد تم اختياره كرجل العام في 2009 من قبل الجريدة اليومية الإقتصادية الروسية “فيدوموستي”. لم يكتفي نافالني بذلك، بل كثّف نشاطاته ضد حزب روسيا الموحّدة، الموالي لبوتين، وزادت نشاطاته وانتقاداته اللّاذعة للحزب مع قيامه بتحريض الروس ومطالبته لهم بالتوحّد لرفض ترشّح بوتين للانتخابات ما نتج عنه احتجاجات بالآلاف في 2011 و أدّى إلى اعتقاله لمدّة خمسة عشر يومًا من نفس العام. ترشّح نافالني للانتخابات في عام 2011، وعلى الرغم من خسارته فقد حصد 30% من الأصوات، ما جعله أحد أبرز المعارضين لبوتين. ولكن في عام 2014، بدأت الأمور تسوء بالنسبة لنافالني، فقد تم إصدار حكم بالسجن لمدّة خمس سنوات مع وقف التنفيذ بحقّه بتهمة الإختلاس ، وتم تغريمه 76 ألف دولار بسبب هذه التهمة والتي نكرها نافالني جملةً وتفصيلاً. في عام 2016، أعلن نافالني أنه عازم على الترشّح للانتخابات الرئاسية في عام 2018، ولكن اللّجنة الإنتخابية في روسيا منعت ترشحه وذلك بسبب تهمة الإختلاس التي كانت قد أسندت إليه سابقًا، والتي اعتبرها العديد محاولة لإقصاء المنافسين الحقيقيّين للرئيس بوتين وإخلاء الساحة له، ما أدّى إلى فوزه بالانتخابات الرئاسيّة. في عام 2020، أصيب نافالني بمرض خطير بسبب تنشّق غاز نوفيتشوك، وهو غاز ذات تأثير مباشر على الأعصاب كان قد طوّره الإتحاد السوفييتي سابقًا، ما دفع عائلته لنقله إلى برلين بعد الخوف من معالجته في مستشفى داخل الأراضي الروسيّة خوفًا على حياته. المفارقة الأبرز بعد هذا الحدث كانت نشر نافالني لمحادثة بينه وبين بعض الشخصيّات في جهاز الأمن الفيدرالي كان ادعى فيها أنه مساعد مسؤول كبير في روسيا، كشفوا فيها أنها كانت محاولة اغتيال مدبّرة ولكن بسبب الهبوط الاضطراري للطائرة لم تنجح العمليّة بسبب تدخّل الطاقم الطبّي، فاعتبر الكرملين أن المحادثة التي تم نشرها مزيّفة. بعد شفاءه، عاد نافالني إلى روسيا ليتم اعتقاله على الفور في 2021، وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات فأضرب عن الطعام، ومع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية حكم عليه بالسجن لمدة 9 سنوات بتهم إحتيال، وتم نقله لمستعمرة جزائية بالقطب الشمالي ما أدى إلى فقد التواصل مع محاميه لمدة 3 أسابيع قبل أن يتوفّى في 14 من الشهر الجاري.
بسبب الأحداث التي ذكرتها سابقًأ عن نافالني، كانت الردود الفعل الدوليّة واسعة على خبر الوفاة، فسارع الرئيس الأمريكي جو بادين إلى اتهام بوتين بتصفية منافسيه، كما وافقه الرأي رئيس الاتحاد الأوروبي، فاعتبر روسيا المسؤول الوحيد عن موت نافالني. قال المتحدث بإسم بوتين أن روسيا ستترك التحقيق بحالة الوفاة للسلطات المختصّة داخل السجن، وقام بإنكار مسؤولية الكرملين عن موت نافالني معتبرًأ أنها آراء غير مقبولة لأنها ليست قائمة على دلائل حقيقيّة. أما في الجانب المحلي، طالبت والدة نافالني بالعدل وقالت إذا كان بوتين مسؤولاً فسينال جزائه، كما عبّر مؤيّدي وحلفاء نافالني في الداخل الروسي عن أسفهم على فقدانه واتهموا بوتين باغتياله. على غرار ذلك، اعتبرت مارغريتا سيمونيان، رئيسة تحرير شبكة آر تي العربية، أن وفاة نافالني كانت خدمة للبروباغندا الغربيّة لأنها تعتبر أن اسمه قد تم نسيانه في الداخل الروسي منذ زمن طويل، ولم يكن هناك حاجة لقتله من قبل النظام الروسي خصوصًا قبل شهر من الإنتخابات. بعد الوفاة، رفضت السلطات في السجن تسليم جثة نافالني للعائلة وأبقوها في مدينة سالخارد في القطب الشمالي، تزامنًا مع طلب السلطات دفن الجثة دون جنازة. التقى بايدن نهار الخميس الفائت مع أرملة نافالني يوليا وابنته داشا في ولاية كاليفورنيا على إنفراد، تزامنًا مع بث فيديو لوالدة نافالني على وسائل التواصل قالت فيه أن السلطات سمحوا لها برؤية الجثة ولكن لم يتم تسليمها لها. بعد الأخذ والرد بين والدة نافالني والسلطات الروسية، تم وأخيراً تسليم الجثة إلى العائلة، ولكن المتحدثة بإسم نافالني، كيرا يارميش، لا زالت متخوّفة من عدم سماح السلطات الروسيّة بالموافقة على القيام بجنازة طبيعيّة لنافالني.
قامت إدارة بايدن نهار الجمعة الواقع في 23 من الشهر الجاري بالإعلان عن حزمة عقوبات جديدة هي الأكبر منذ بدء الحرب الروسيّة الأوكرانيّة تستهدف العديد من القطاعات للدولة أهمها القطاع المالي والبنية التحتيّة، كما استهدفت أكثر من 500 فرد وكيان تم تجميد كل أصولهم داخل الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى إدراج ما يزيد عن 90 شركة على قائمة العقوبات من ضمنها شركات في قطاع التكنولوجيا والمعلومات. استهدفت الحزمة الجديدية من العقوبات نظام الدفع الروسي “مير” الذي كان له الدور الأكبر في بناء البنية التحتيّة الروسية وتطورها إلى الدرجة التي وصلت عليها الآن. بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أعلن الإتحاد الأوروبي بدوره حزمة جديدة من العقوبات تجاه روسيا، بالإضافة إلى بريطانيا التي أعلنت عقوباتها على أكثر من خمسين شخص وشركة، منهم 6 أشخاص زعمت بريطانيا أنهم مورّطون بشكل مباشر في تصفية نافالني متخذة إجراءات تستهدف قطاع الأسلحة وقطاع السلع في روسيا. علّق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الحادثة بشكل مختلف عن الجميع، فاستهدف في تعليقه على الحدث بربطه مباشرةً بما يحدث معه في المحاكم الأمريكية، زاعمًا أن وفاة نافالني جعلته يدرك أن الولايات المتحدة في طريقها إلى التدهور تزامنًا مع ما يحدث على الحدود ومذكّراً بتزوير انتخابات عام 2020، بحيث أنه لم يذكر بوتين ولا الكرملين في منشوره.
ختاماً، يستمرّ بوتين برئاسة الكرملين منذ أكثر من 20 عامًا ويبدو أنه متّجه للفوز بالإنتخابات لولاية أخرى في الشهر القادم مع عدم وجود منافسيين حقيقيين بعد وفاة نافالني. إن حزمة العقوبات التي تتبعها الإدارة الأمريكية تجاه روسيا منذ الاجتياح الروسي لأوكرانيا لم تؤثّر بالقدر التي كانت عليه التوقعات، فعلى الرغم من انخفاض وتيرة النمو في الإقتصاد، إلا أن التوقعات تظهر أن الإقتصاد الروسي سيسجّل نموًّا ولو خفيفًا كون روسيا استطاعت التكيّف مع العقوبات التي تفرض عليها. فحسب شركة أس إند بي جلوبال، استطاعت روسيا تحقيق مكاسب بلغت 99 مليار دولار من النفط والغاز في السنة الماضية على الرغم من العقوبات الأمريكية، وذلك يعود على تعويل روسيا على المبادلات التجاريّة مع الصين بشكل خاص. هل تعتقد أن حزمة العقوبات المفروضة على روسيا سوف تؤثر بشكل أكبر على الإقتصاد في هذه المرة أم سييبقى الإقتصاد الروسي متماسكاً على الرغم من العقوبات المفروضة ؟