يحيى عياش | محرر
جوزيه مورينيو، الرجل الذي ألجمنا بمقولاته عن الإرث الكروي وحروبه المتكررة على الحكام في السنين الماضية، الرجل الذي دمر فيرغسون مانشستر يونايتد العظيم مع شباب واعدين في بورتو، ثم حصل على تجربة رائعة في تشلسي اللندني، يبدأ مرحلته الجديدة مع إنتر ميلان الإيطالي، والهدف واضح وصريح لكل عشاق النيراتزوري وإدارة ماسيمو موراتي: دوري الأبطال.
القصة تبدأ من 2006، إيطاليا تفوز بكأس العالم، وفضيحة الكالتشيو بولي تضرب يوفنتوس وميلان. كامورانيزي، بوفون، وديل بييرو إلى دوري الدرجة الثانية، كانافارو إلى ريال مدريد، زامبروتا وليليام تورام إلى برشلونة. يرحل زلاتان إبراهيموفيتش وباتريك فييرا إلى إنتر ميلان، وإيطاليا يتسيدها الإنتر: دوري في المحكمة ودوريان في الملعب، ثم موسم 2008، ثم قرار ماسيمو موراتي العاشق الولهان العلني بأن آن الأوان لتكوين فريق بطل، آن الأوان لحمل ذات الأذنين، الكأس الأجمل التي غابت عن خزائن إنتر 50 عامًا.
إدارة إل بازي أعلنت التعاقد مع جوزيه مورينيو العاطل عن العمل. مورينيو أبهر الجميع من أول مؤتمر صحفي، أبى إلا أن يتكلم باللغة الإيطالية بلكنة محلية، مع أنه بدأ تعلمها فقط في الـ50 يومًا الأخيرة. مورينيو أظهر حماسه من البداية، اتصل بقيادات الفريق الأزرق والأسود أمثال زانيتي و كامبياسو وبدأ بترتيب الأوراق الداخلية وقدم موسمًا أول ناجحًا محليًا ومخيبًا على صعيد الأبطال بعد خروج مؤلم من مانشستر يونايتد. فيما بدأت الشكوك تحوم حول إنتر، طلب جوزيه مورينيو لقاء سريع مع موراتي وكرر سؤاله: هل تؤمن بأنني أستطيع تحقيق دوري الأبطال؟ موراتي رد بـ “طبعًا أؤمن”. مورينيو فهم موراتي وجمهور إنتر العاشق لفريقه، ولذلك طلب تنظيف الفريق كما يحلو له، طلب شيكًا على بياض وأعطى موراتي وعدًا تاريخيًا: ذات الأذنين.
تعاقد الإنتر مع صامويل إيتو من برشلونة بطريقة مضحكة بصفقة تبادلية أدارها البرتغالي العبقري و خدع فيها لابورتا و برشلونة بصفقة القرن، تعاقد مع دييغو ميليتو لتعويض رحيل زلاتان إبراهيموفيتش الاستفزازي وهرنان كريسبو. ويسلي شنايدر جاء إلى الإنتر قادمًا من ريال مدريد في الأيام الأخيرة للميركاتو الصيفي، بعد أن نصح “نادل” في مطعم رئيس النادي ماسيمو موراتي بالتعاقد مع لاعب خط وسط بصفات النجم الهولندي، وهذه الحادثة أكدها موراتي مرارًا. في الميركاتو الشتوي، ضمّ الإنتر غوران بانديف من لاتسيو الذي سجل أهدافًا حاسمة في الدوري ، وماكدونال ماريغا من بارما الذي عوّض رحيل باتريك فييرا إلى مانشستر سيتي.
دون الخوض في التفاصيل المملة، الإنتر يتوغل شيئًا فشيئًا في البطولة الأوروبية ويتخطى تشيلسي، فريق مورينيو السابق، بسيناريو استثنائي. الضغط يزيد بشكل مجنون، مورينيو كان مدركًا في هذه اللحظة بأن إيطاليا أصعب من كل مكان وصل إليه في السابق وهو أمام واحد من سيناريوين: أن يعيش وهو صامد أو أن يموت وهو راكع. قرر مورينيو محاربة الجميع ولمن يعرف مورينيو، هذه شخصيته الكلاسيكية لشحذ شخصية لاعبيه، ويرفع مورينيو الشعار الذي بقي في أذهان الإنتريستا إلى اليوم: وحدي ضد الجميع “uno contra tutti”. على إثر الجنون الحاصل، بدأ الضغط ينقلب إلى خارج الملعب وبدأت المافيا الإيطالية تهدد أولاده في المدرسة، ليقوم بأحد أعظم المؤتمرات الصحفية في تاريخ اللعبة لإلجام روما، ميلان، يوفنتوس، ولاتسيو، والمثير للضحك أكثر لقد وعدهم عددهم جميعًا ووعد الملأ أجمع: لن يفوز أحد بأي كأس، سأهزمهم جميعًا وأفوز بكل شيء، سأهزمكم وأهزم الاتحاد الإيطالي وحكامه.
يحل نصف النهائي ويتحتم على الإنتر أن يواجه إحدى أعظم نسخ برشلونة في التاريخ تحت قيادة بيب غوارديولا، ميسي، تشافي، إنييستا، والعديد من النجوم. تنتهي مباراة الذهاب بـ 3-1 لصالح انتر بعد مباراة تميزت بالتضحيات الاستثنائية من قبل لاعبي الإنتر أمثال بانديف، إيتو، وتياغو موتا الذين قدموا أداءً كاملاً. مورينيو استغل المباراة ليهمس في أذن بيب غوارديولا وزلاتان إبراهيموفيتش، مذكرًا زلاتان بوعده بأن الإنتر لن يفوز بأي شيء بدونه. مورينيو في المؤتمر الصحفي قبل المباراة كان قد حسم الجدل بتأهل فريقه، مشيرًا إلى أن الإنتر، لاعبون ومشجعون، يحلمون بالفوز والحلم هو نقي، أما لاعبو برشلونة فلا يحلمون بالفوز بل هم مهووسون، مهووسون بريال مدريد وسانتياغو برنابيو، ملعب عدوهم الأزلي وملعب النهائي، والهوس ليس طاهرًا كالحلم. تبدأ مباراة الإياب والأجواء مجنونة، كل كتالونيا تتوعد بريمونتادا تاريخية و لكسر كبرياء المترجم الخائن. الإنتر ميلان ينجح في إيقاف ميسي بـ 10 لاعبين بعد مباراة كان بطلها الحكم، وهو أمر تنبأ به مورينيو قبل المباراة، ولذلك جهز فريقه ليلعب كاتناتشو من الطراز الرفيع. خطة مورينيو تنجح ويتأهل الإنتر، مورينيو يحتفل بطريقة الطيارة الشهيرة مستفزًا مسؤولي برشلونة الذين أمروا بإطفاء الأنوار وإيقاف احتفالات الإنتر ومورينيو.
الإنتر يلعب نهائيًا سهلاً نسبيًا بعد الفوز على بايرن ميونيخ لويس فان خال في مدريد، في مباراة اعترف فيها لويس فان خال بهيمنة مورينيو، ويفوز بالكأس التي اشتاق لها الإنتر. في نفس الفترة، كان الإنتر قد فاز بكأس ودوري إيطاليا على الغريم المحلي آنذاك، روما مستفيداً من أهداف هدّاف الفريق دييغو ميليتو. الإنتر يفوز بكل شيء ويفوز برهانه المفتوح، فرق إيطاليا تخرج خالية الوفاض، مورينيو يخرج باكيًا بعد تقبيله للكابتن ماركو ماتيرازي، ثم يرفض النظر إلى الوراء، مدعيًا أنه إن احتفل مع جماهير الإنتر، سيفطر قلبه و لن يقوى على الخروج إلى تجربته التالية مع ريال مدريد.