بتول سويدان | كاتبة

 

  قد أكتب عن سوريا اليوم، لكن قلمي لا يمكنه الكتابة عنها. سوريا لا يمكن أن يصفها قلم ولا أسطر. المأساة التي يعاني منها الشعب السوري يصعب وصفها بالكلمات، من مناطق منكوبة بسبب الحرب، الى مدن مدمرة بفعل الزلازل يعاني الطفل السوري في طفولته من نقصٍ في الغذاء، الدفء، والدواء. وفقدان الحلم بواقع أجمل. ولكي لا يضيع مستقبل الطفل السوري بين هموم حاجاته الأساسية المحروم منها، كان لا بد أن يُسأل: ماذا عن الصحّة النفسية لأطفال سوريا؟

‏   في دراسة أجريت بعد ثماني سنوات من الحرب في سوريا، على 492 طفلا تتراوح أعمارهم بين الثامنة والخامسة عشرة، في مدارس دمشق واللاذقية. 60.5% من الذين تم اختبارهم تميزوا على الاقل باضطراب نفسي واحد محتمل.احتل اضطراب ما بعد الصدمة المرتبة الأولى في نتائج الدراسة بنسبة 35.1%، تليه الكآبة بنسبة 32%، والقلق المزمن بنسبة 29.5%. (آب 2018، جون بيركينس، ميس عجيب، لينا فاضل، غسان صالح: دراسة مقطعية من مدارس سوريا)

‏   في بحث آخر أجرته هيئة إنقاذ الطفولة الخيرية الدولية على اكثر من 450 سوري، من أطفال وآباء ومدرسين وأخصائيين نفسيين، في سبع محافظات، قالت الهيئة أن الأطفال تظهر عليهم أعراض اضطراب شديد في المشاعر ويفتقرون إلى الدعم النفسي. وأضافت أن هذه الآثار تراوحت بين اضطرابات النوم والإنطواء الى إيذاء الذات والشروع في الانتحار, والبعض فقد القدرة على التكلم. وقال التقرير أنه إذا لم تتم معالجة هذه الحالات فإن الصدمات اليومية قد تؤدي إلى عواقب أخرى تؤثر على تطور المخ في سنوات التكوين. ومن المرجح أن تزيد من المشكلات الصحية في مرحلة ‏البلوغ ومنها الاكتئاب وأمراض القلب.

‏   هذا بعض من الآثار التي خلفتها الحرب على الصحة النفسية السورية، أما بالنسبة للزلازل فهي أيضا لها نصيبها من التأثير على الصحة النفسية للأفراد. ففي دراسة أجراها باحثون في كلية الطب في جامعة نيويورك، عبر استطلاع آراء 165 ناجي بعد عامين من زلزال عام 2010 في هايتي، فإن الأشخاص الناجين من الزلازل يكونون أكثر عرضة للمشاكل الصحة العقلية، حتى بعد عامين من وقوع الحدث. تؤكد ماري تريز سلّوم، الاخصائية العيادية والمعالجة النفسية ‏التحليلية، على ذلك قائلة :” الصدمات غير المتوقعة كالكوارث الطبيعية و التفجيرات والحروب تعمل على تمزيق الغلاف النفسي الذي يتميز به الافراد، وتوقظ المخاوف المكبوتة والفقدان والشعور بعدم الأمان.”

‏   تتحدث سلوم عن كيفية التعامل مع الطفل في حال وقوع الزلازل، مشيرة إلى أنّ الآثار التي يتركها حدوث زلزال على الطفل لاحقا تتراوح بحسب مرونته النفسية التي عاشها مسبقا في حياته اليومية العادية.وتقول سلوم:” ولتنمية هذه المرونة النفسية عند الأطفال يجب إخبارهم الحقيقة كما هي بحسب أعمارهم والتعبير أمامهم عن حقيقة المشاعر التي يعيشها الكبار كالحزن والخوف”. أما عن سؤال متى يجب اللجوء الى أخصائي نفسي؟ فتجيب:”عند ملاحظة صعوبة في التأقلم مع هذا الحدث عند الأطفال والميل إلى الانعزال والتعبير الدائم عن الخوف أو حالة يقظة مفرطة  يجب استشارة الأخصائي.”

‏   المشاكل والأمراض النفسية لأطفال سوريا لا تتوقف عند عتبة الحرب والكوارث الطبيعية, هي مدفوعة أيضا بالعنف الأسري المتزايد، الفقر، الزواج الاجباري، وزواج الأطفال… إلخ. مما يعني أنه لا زال أمام الطفل السوري الكثير الكثير ليتحمله. فأين صوت الإنسانية من هذه المأساة؟؟

:‏   لسان حال أطفال سوريا اليوم كلسان حال شاعرها قباني عندما خاطب حارته الدمشقية قائلا

يا زواريب حارتي خبّئيني”

بين جفنيك فالزمان ضنين

واعذريني إذ بدوت حزينا

“إنّ وجه المحب وجه حزين

.بالفعل إنّ وجه المحب وجه حزين، وجه المحب للحياة، المحب للفرح والنور، المحب للأوطان اليوم وجه حزين