زكريا الشهاري | محرر

إنّ أشهر مثال وضعه النحويون لتعليم مواضع الكلمات هو: “ضربَ زيدٌ عمرا”.  وزيد هنا فاعل مرفوع بالضم، وعمرو مفعول به منصوب بالفتح، أما الفعل الماضي الذي حدث بينهما بُني على الفتح هو الضرب

:وذات يوم، قام زيدٌ ليضرب عَمراً، ككل يوم، فهذا هو الحال بينهما، ولكن عَمراً نظر إلى زيدٍ، وقال

!يا زيد، بالله عليك ألف عام تضربني كل صباح حتى تغرب الشمس، هلا تحدثنا اليوم عوضاً عن الضرب؟

رد زيد: وهل نجيد الحديث ياعمرو؟! نحن ضارب ومضروب، هذا نحن

قال عمرو: فلماذا تضربني يازيد؟ أخبرني

تعجب زيد من هذا السؤال، فصمت ثم قال: لا أعلم، لكني لقد أعتدت ضربك، فكما تشرق الشمس وتغرب، ويكتمل القمر وينقص، يضرب زيدٌ عَمراً

رد عليه عمرو: تضربني ولا تعرف لماذا! وفوق هذا تقول لي أعتدت، فلماذا ضربتني في أول مرة؟

قال زيد: ياعمرو، هم قالوا لي أن أضربك

رد عمرو: ومن هم؟ وأين هم؟

قال زيد: مجموعةٌ من الناس يضعون العمائم ويكتبون الكتب، وهم الآن تحت التراب، ولكنهم تناقلوا من بعدهم هذا الأمر مثلاً يا عمرو، فكل يوم يقول شخصٌ ما أن أضربك، لكي يعرف الفاعل والمفعول به في اللغة، نحن خدام الضاد يا اخي، فلا يكن في قلبك …

قاطع عمرو زيداً: أتكرهني يازيد؟ أو تحبني يازيد؟ 

صمت الإثنان لبرهة..

!نظر زيد في عمرٍو وقال: وكيف أعرف ونحن لا نعرف إلا الضرب؟

 …خيم الصمت من جديد

ثم تحدث زيد قائلاً: من نحن ياعمرو؟! نحن فاعلٌ ومفعول به، نعيش بين كتب النحو وعلى أفواه التلاميذ، فإذا سهى أحدهم تذكرنا، وعرف مواضع الكلام

رد عمرو: تذكرنا تقول! بل ورب الضاد تذكر الضرب، تذكر الفعل قبلك وقبلي

قال زيد: وماله الضرب؟! فعل كأي فعل، سهل خفيف النطق والحفظ

رد عمرو: وهل هناك فعل اسوأ منه؟ هل هناك فعل أقبح منه؟ يلحق الألم ويكسر الخواطر ويقفل القلوب ويعمي العقول والأبصار، يجعل الإخوة اعداء، ويهدم البيوت، ويفرّق الأصحاب والأحباب، ويترك الإنسان وحيداً بائساً وروحه أصبحت كأنّها ليلة بلا قمر قد كبّدت بالغيوم، قبح فعلاً

 … عاد الصمت ليخيّم لوهلة

تابع عمرو قائلاً: ويأتي الطفل الذي لا يعرف قلبه إلا الطّهر، يعلمونه من شروق الشمس وحتى الغروب، “ضرب زيدٌ عمراً” “ضرب زيدٌ عمراً” “ضرب زيد عمراً”، وحين يكبر ليصير سافحاً أو قاتلاً، يضرب ويسلب وينهب ويسرق ويشتم، يتعجبون كيف صار هكذا! وهم من جعلوه هكذا 

!قال زيد – في حيرةٍ وغضب – : وماذا نقول؟! وماذا نفعل؟

!رد عمرو: بربك يازيد! أثنا عشر ألف  فعل، و لا نجد عن الضرب بديلاً ؟

!رد زيد: قل لي ما نجيد أن نفعل؟ 

قال عمرو: نجيد فعلها كلها، نجيد كل ما يجيد الناس

!رد زيد: وهل نحن من الناس؟! أنسيت ياهذا أننا مجرد خيالين خلقهما شيوخ اللغة، فكيف نجيد ما يجيد الناس؟

قال عمرو: نحن خيال الناس، والخيال ليس له حدود، وكم من الناس يازيد صير نفسه خيالاً وتخيل ما لا يجيد فعله، كم أعمى تخيّل أنه يناظر الورد؟! وكم مقعد تخيل أنه يجري؟! وكم منفي تخيل أنه يعود؟! وكم عاشق يذبحه الشوق لمن يحب تخيل أنه يُقَبل؟! لا حدود للخيال، لا حدود لنا، والله للناس يحسدوننا على هذا، ولكننا نترك كل لها ولا نفعل إلا الضرب

رد زيد – وقد أقتنع قليلاً-: وأي فعل تريد؟ 

قال عمرو: أختر ما شئت من فعل جميل، صافح، مازح، أضحك، أفرح، أطعم، أو كما قلت أول الأمر حدث

رد زيد: حدثَ؟! لست متأكد من أننا نجيده

ضحك عمرو وقال: ألا ترى يازيد؟

رد زيد: ماذا؟ 

قال عمرو: مافعلنا كل هذا الوقت؟ لقد تحدثنا

..رد زيد: صدقت، إذاً سيتعلم التلاميذ اليوم

-“زيد وعمرو بصوت واحد-: “حدث زيد عمراً