بشير جرجس طنّوس | كاتب صحفي
يواجه لبنان اليوم أصعب أزمةٍ في تاريخه الحديث. و قد تركّز الغضب في الشعب اللبنانيّ مع هذا الانسداد في الأفق. لكن، ما يثير الاستغراب هو أنّ الغضب هذا لم يترجم أفعالاً بعد، فلا ريب أن ردّة الفعل الشعبيّة لا توازي حجم الأزمة التي يتضرّج بها الوطن لسنين على التوالي. و من الفرضيّات المشروعة أن اللبنانيّون يعيشون اليوم تحت تأثير المتفرّج – حيث يلقي كلٌّ منّا مسؤوليّة التغيير على الآخر
تأثير المتفرّج ظاهرةٌ نفسيّةٌ تمّ صياغتها في منتصف القرن العشرين بعد حادثة قتل الأمركيّة كيتلين جينوفيز. تعرضّت جينوفيز للاغتصاب و الطعن الوحشيّين ليلة 11 نوفمبر 1964 أمام أعين ما قُدّر بثمانيةٍ وثلاثين شاهد عيان. بالرغم من زعم البعض أن عدد شهود العيان مبالغٌ فيه، إلا أنّ الحقائق تبقى ثابتة- قاسية و باردة. فلم يُظهر أيٌّ من شهود العيان استعداداً للتدّخل، إذ ترك كلٌّ منهم مسؤوليّة وقف الهجوم أو استدعاء عناصر الشرطة على الآخر. كانت هذه العقليّة السلبية قد استشرت في أولئك موديةً إلى وفاة الفتاة لحظاتٍ قصيرةٍ بعد الاعتداء عليها. تصدرّت القصّة عناوين وسائل الإعلام ودعت المختصّين إلى تفسير الحادث من منظورٍ نفسيٍّ. و سرعان ما صاغ علم نفس تأثير المتفرّج – وهي ظاهرةٌ نفسيةٌ يعتمد فيها الفرد على أفراد محيطه للمبادرة بردّة الفعل
و لو سلّطنا المجهر على وضع لبنان اليوم، نجده نموذجاً مثيراً لتأثير المتفرّج. فبالرغم من انهيار الاقتصاد ، تفكّك أواصر الإدارات العامّة، تفاقم الظروف المعيشيّة، و تسارع وتيرة الهجرة الجماعيّة ، لا يزال اللبنانيّون يذوبون على يراع الخارج ينتظرون مغيثاً يعوّلون عليه. يبدو أن بعضنا قد دبّ فيه الخذلان فاختار التكيّف مع الكوارث عوضاً عن مجابهتها. و مع هشاشة التحالفات المدنيّة و نفور الحساسيّات الطائفيّة، غدا كلٌّ منّا ينتظر الآخر لإنقاذ السفينة من الغرق. إلّا أنّ محاجّةٌ مشروعةٌ هنا هي أنّ جهود اللبنايّين باتت، عقب تدهور البلاد الدراماتيكيّ، مركزّةً على تأمين الاحتياجات الأساسية وإلى هذا تعدو ردّة الفعل الخجولة. و هذا، في الحقيقة، ما يثبته التاريخ، إذ نادرًا ما تندلع الثورات بعد وقوع الشعب عن شفير الكارثة. بيد أنّ ذلك لا يفسّر الجمود المنثال على الطبقات المتوسّطة المتعثّرة. و هذا ما يثير القلق و يشكّك في ما إذا كان لأحدهم نيّةٌ لتغيير المستقبل القريب. صمتنا يسرع من سقوطنا. فلا بد من أن يبذل كلٌّ منّا جهداً شخصيّاً لظفر حسّ المقاومة و كبح الهبوط في الحراك المجتمعيّ