بشير جرجس طنّوس | كاتب صحفي
تقدّم مجتمع الميم بخطىً ثابتةٍ في يناير المنصرم، مع إعلان بعض الدول الأوروبيّة، و كندا، شرعيّة الزواج المثليّ و حظر علاجات تغيير الميول الجنسيّة. و برغم أشواط التقدّم هذه، لا يزال القمع يلقي بظلاله على هؤلاء الأفراد في معتركهم اليوميّ. غنيٌّ عن البيان أن رهاب المثليّة قضيّةٌ عالميّةٌ، إلّا أنّها متفاقمةٌ بشكلٍ خاصٍّ في بلدان آسيا، وأفريقيا، وأمريكا الجنوبيّة. و لعلّ رقصة الواحد و الأربعين من الحوادث المفصليّة التي رسمت المنظور السلبيّ لمجتمع الميم في المكسيك. كانت تداعيات هذا الحدث توازي التكتّم الذي ساده، إذ كوّن “مدخل الشذوذ الجنسيّ في المكسيك” (مونسيفايس، ٢٠٠٢) بعد أن طُرح جهارةً على وسائل الإعلام للمرّة الأولى.
رقصة الواحد والأربعين فضيحةٌ هزّت المجتمع المكسيكيّ على عتبة القرن العشرين. في ليل السابع عشر من نوفمبر ١٩٠١ ، و دون أذنٍ مصدّقٍ ، داهمت قوّات الشرطة المكسيكيّة حفلاً راقصاً خاصّاً في شارع دي لا باز كان جميع مدعوّيه من الذكور. اعتُقل تلك الليلة واحدٌ و أربعون رجلاً، معظمهم من طبقات المكسيك العليا، بينهم تسعة عشر رجلاً كانوا يرتدون ملابسَ و حليّ نسائيّة. كانت الشرطة قد اكتشفت ناديًا سريًّا للمثليّين يعيش أعضاؤه حياةً مزدوجةً: يلبّون توقّعات مجتمعهم في النهار، ويكشفون عن أنفسهم الحقيقيّة في الليل. كان نادي الواحد والأربعين منفذًا للمثليّين الأرستقراطيّين الذين انضمّوا بغية تشرّب قسطِ راحةٍ من الضغوطات التي يرزحون تحتها. زُعم أنّ تمّ القبض على اثنين وأربعين رجلاً تلك الليلة، بيد أنّ قائمة الأسماء النهائيّة تضمّنت واحداً وأربعين اسماً فقط. يُرجَّح أنّ إغناسيو دي لا توري إي ميير، صهر الرئيس المكسيكيّ في ذلك الحين، كان الضيف الثاني والأربعين، إلّا أنّ تأثير الرئيس السياسيّ طوى الشائعة في الإعلام.
سارعت الحكومة لاحتواء الفضيحة بعد أن أضفت الشائعات على غضب الشعب المحقون من الطبقيّة آنذاك. اتّخذ القضاء تدابير قانونيّة في حقّ الواحد والأربعين رجلاً بتهمة الإخلال بالأخلاق الحميدة. و كونهم ينحدرون من طبقات النخبة، تمكّن بعض المتهمين من التبرّؤ بفديةٍ ماليّةٍ، فيما رُحِّل البعض الآخر لتقديم معاونة لوجيستيّة للجيش المكسيكيّ.
لا تزال تداعيات هذه الفضيحة تتوالى في المكسيك اليوم؛ و لا ريب أنّ هذا مؤشّر ارتفاع في رهاب المثليّة في المجتمع. بعد مرور قرنٍ و نيّفٍ، يبقى الرقم ٤١ رمزاً دنيئاً يتفادى المكسيكيّون توسّله في حياتهم اليوميّة. فالجيش يحظر استخدام الرقم ٤١ في شعبه. و لا توجد غرف مستشفيات أو غرف فندقية مرقمّة ٤١ . حتّى أنّ بعض المواطنين المكسيكيّين لا يحتفلون بأعياد ميلادهم الحادية والأربعين – كلّ ذلك للدلالة على رفضهم القاطع للمثليّة الجنسيّة. و فيما يعتبر الرقم مدلولاً دونيّاً عند الغالبيّة الساحقة من المجتمع عزم المثليّون المكسيكيّون إلى اعتماده شارة شجاعةٍ و فخر،ٍ في محاولةٍ منهم لقلب منظور المجتمع السلبيّ..
لا يُصلِح الجدل إذاً أنّ مجتمع الميم في المكسيك ليس أفضل حالاً مقارنةً للبلدان الأخرى، وأنّ المجتمع المكسيكيّ بعيدٌ من أن يكون بيئةً حاضنةً لهؤلاء الأفراد.