يرفند قوندره جيان | كاتب صحفي

عايش اللّبنانيّون على مرّ السّنين العديد من الأزمات وتلقّفوها بأشكالها المختلفة من حروب وتداعياتها  وأزمات سياسيّة واقتصاديّة، وواجهوها بصلابة وثبات.. لم يشعروا بضيق كبير أو فقر يطال نقصا لافتا في تأمين مستلزمات العيش بحدّه المقبول. وهنا يطرح السّؤال نفسه صارخا مدوّيا طالبا الإجابة: هل يستطيع اللبنانيّ الثّبات والعيش أمام الأزمة الحالية؟

يرزح الشّعب اللّبنانيّ بعدد كبير من سكّانه تحت وطأة أزمة اقتصاديّة خانقة طالت كلّ جوانب حياته المعيشيّة. فارتفاع الأسعار لا يقف عند حدّ معيّن بدءًا من ربطة خبز صغيرة يحتاجها كأساس قوته اليوميّ، وما يليها من الخضار والفاكهة واللحوم والمواد الغذائيّة  الّتي حلّقت أسعارها فصارت خياليّة أحيانا وحلمًا يتطلّع إليه الكبير قبل الصّغير.

إنّ واقع اللّبنانيين بات خطرا مؤلمًا إذ تجدهم يعملون في سباق لتأمين وتغطية أبسط مستلزمات عيشهم مع عدم استمتاعهم بها، فالكهرباء غائبة إلا لساعة واحدة أو أكثر والبدائل باهظة السّعر ناهيك عن أسعار المحروقات التي تشكّل حاجة يوميّة للجميع. على مستوى النّقل يحتاج المواطن إلى مبلغ هائل إذا ما تمّ احتسابه بشكل شهريّ. على مستوى التّدفئة حدّث ولا حرج فقد تحوّلت متعة الشّعور بالدّفء في ظلّ أجواء شتويّة قارسة إلى غصّة تجعلك تتساءل متى سينتهي الشّتاء وأمحو فاتورة المازوت أو الغاز؟

أمّا المواد الغذائيّة فما أكبرها من مأساة! فكم تصادفك في التعاونيّات والمحلّات مواقف صادمة بين أشخاص يتهافتون على شراء منتج أساسي قد تفقده الأسواق أو حتى مع أصحاب وموظّفي هذه المراكز التّجاريّة لاحتكارهم المواد او لرفعهم الأسعار دون رحمة. كان التّسوّق من المراكز التّجاريّة أمرًا مرغوبا به لتوفير ما تحتاجه العائلة من مواد أساسيّة وغير أساسيّة. أمّا اليوم فزيارة هذه الأماكن يُحسبُ لها الحساب وتعدّ لأجلها ميزانيّة لتطال ما هو ضروريّ ويتجوّل المواطن بحثًا عن مواد ذات جودة مقبولة وسعر يقبله العقل إلى حدّ ما ويناسب دخله الشّهري الّذي صار زهيدا جدًّا يوازي قروش قليلة مقارنة بالمتطلّبات الأساسيّة. ذلك بعدما تدهورت قيمة اللّيرة اللّبنانيّة في صدد الارتفاع غير المشهود لسعر صرف الدولار وارتفاع جنوني للأسعار وغياب الرّقابة ما أدّى إلى وقوف المواطن مكتوف اليدين  يركض لاهثا أمام لقمة العيش علّه يستطيع إطعام كلّ من هو مسؤول عنه من أفراد عائلته. هذا ما يعجز عنه الكثيرون لأنّ المدخول اليومي او الشّهري بات مسألةً حسابية عاجزة عن تأمين الضّروريّ من الحاجات اليوميّة ومن هنا أخذ الفقر يغزو منازل اللّبنانييّن.

ما زاد الطّين بلّة هو رفع الدّعم  عن الكثير من المواد من جهة وعن الأدوية من جهة أخرى وعدم توفّر الكثير من الأدوية الهامّة للعديد من الأمراض المزمنة والخطيرة وتضرّر العديد من الأشخاص لعدم قدرتهم على شراء الدواء بسعره الجديد أو لعدم التّمكّن من الحصول عليه. هكذا ازدادت الصرخات وأحكمت الأزمة وثاقها حول أعناق اللّبنانيين، حتّى أمسوا قلقين خائفين على أبسط فرص الحياة الإنسانيّة بأن يتوفّر لهم غذاؤهم وقوتهم. بعضهم ينجح  لظروف معينة تسانده والآخر يسابق الزّمن والظروف فيوم له ويوم عليه. لكنّ الكثيرين منهم بات الفقر رفيق أيّامهم والخوف من الآتي الأعظم حديث جلساتهم وتنهّداتهم، فمتابعتهم للأخبار لا تنير في ليلهم شمعة أمل بل تزيدهم قلقًا وريبة وتساؤلات.

هكذا يتّضح الواقع الحاليّ الّذي يحيط بسكّان لبنان وعنوانه ضائقة اقتصاديّة وظروف استثنائيّة أنتجت خطّ فقر لافت وقلقا عارمًا يجتاح نفوس اللّبنانييّن.