رفند قوندره جيان | كاتب صحفي

تخطو المملكة العربية السعوديّة أولى خطواتها لتلميع صورة الدول النفطية التي تشوبها الاتهامات المتعلقة بقضايا المناخ. فقد أطلق الأمير محمد بن سلمان مشروع السعوديّة الخضراء وأعلن عن عزم السعوديّة بالوصول إلى نقطة الحياد الصفري لانبعاث الكربون بحلول 2060 من خلال خُطط تنمويّة تضمن التنوع الاقتصادي

جاء الإعلان عن مبادرة السعودية الخضراء في 27آذار/مارس 2021 وبدأ العمل بالنسخة الأولى منها في 23تشرين الأول/أكتوبر2021 في الرياض قُبيل انعقاد قمّة المناخ العالميّة في مدينة غلاسكو باسكوتلندا في المملكة المتّحدة

استهلّ الأمير محمّد بن سلمان كلمته في هذا الإعلان معبّرًا عن فخره بمبادرة “السعوديّة الخضراء” ومبادرة ا”لشرق الأوسط الأخضر”، كما أعرب عن حاجة المملكة والشرق الأوسط والعالم للمضي قُدمًا وبخطى متسارعة في مكافحة التغيُر المناخي وعبّر عن رفضه أيّة خيارات مُضلِّلة بين الحفاظ على الاقتصاد أو حماية البيئة

وبالتزامن مع تبني الأهداف الطموحة والواضحة، ستدعم هذه المبادرة الوطنيّة تحسين جودة الحياة وتحمي الأجيال القادمة من خلال زيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة وتحييد الآثار الناتجة عن النفط وحماية البيئة وقيادة الجهود الإقليمية لتحقيق المستهدفات العالميّة لمكافحة التغيّر المناخي

يُساهم إطلاق مبادرة السعوديّة الخضراء في تقليل الانبعاثات الكربونيّة بأكثر من 4% من المساهمات العالميّة بهدف  إبطاء آثار التغير المناخي وإعادة التوازن البيئي عن طريق المضي في مشاريع الطاقة المتجدّدة واطلاق مبادرات لتقليل الانبعاثات الكربونية وتزويد المباني والصناعات المختلفة ووسائل النقل بالطاقة اللازمة وبالمستوى المطلوب

تتضمّن المبادرة زراعة 10مليارات شجرة في جميع أنحاء المملكة ممّا يساهم في تحويل الصحراء إلى أرض خضراء ويعيد تأهيل 40مليون هكتار من الأراضي في خلال العقود القادمة، وبالتالي تحسين جودة الهواء وتقليل العواصف الرمليّة ومكافحة التصحّر وتخفيض درجات الحرارة في المناطق المجاورة

أضف إلى ما تمّ ذكره على الصعيد البيئي، يندرج ضمن أهداف المبادرة رفع نسبة المناطق المحميّة إلى أكثر من 30% من مساحة أراضي المملكة، بحيث تتحوّل المملكة إلى موطنٍ لمنظومة بيئيّة متنوعة بما في ذلك آلاف الكيلومترات من السواحل والغابات الكثيفة والأراضي الشاسعة. يساهم حماية هذه البيئات في تعزير التنوّع البيولوجي واستعادة البيئة الطبيعيّة للمملكة

إنّ الغرض الأساسي لقمّة جلاسكو هو الوصول إلى “صفر انبعاثات” أي عدم إضافة انبعاثات جديدة إلى الغلاف الجوي. تجدر الإشارة إلى أنّ الوصول إلى صفر انبعاثات لا يعني توقفها نهائيا بل استمراريتها شرط موازنتها عن طريق امتصاص كميّة موازنة لها من الغلاف الجوي

تتوجه جهود الدول نحو الحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة العالميّة عند 1,5 درجات مئويّة فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي. فإذا استمرت دول العالم في ضخّ الانبعاثات، ستستمر درجات الحرارة في الارتفاع فوق 1,5 درجات مئويّة

أمّا اذا انتقلنا من الشق البيئي إلى الشق السياسي، فسندرك أنّ السعوديّة ارتأت أن تعدّل على سياستها بما يخص شؤون النفط واتخذت من مبادرة السعودية الخضراء سبيلا لتحيد عن دورالمدافع وتتقدم إلى الخطوط الهجوميّة الأولى في القضايا التي تتعلق بالمناخ. وبذلك تكون السعوديّة قد احتلّت  مركز الهدّاف الأول في مجال حماية البيئة والاهتمام بقضايا المناخ بالرغم من أنّها إحدى أهم الدول النفطيّة

أضف إلى ما تمّ ذكره، فقد حدّت السعودية من وطأة اضطراب العلاقة التي تحكم بين الشأن البيئي والدول والشركات المنتجة للنفط. وتكون السعودية قد سبقت جميع الدول لاسيّما المعنيّة بالشأن النفطي والمناخي من خلال طرحها سلسلة لا يُستهان بها من المبادرات الواعدة والمحدّدة ضمن مدّة زمنيّة، وأصبحت بذلك الدولة الأم والمنبع الأساس للمبادرات البيئيّة انطلاقًا من أراضيها وامتدادًا للشرق الأوسط

ممّا لاشكّ فيه أنّ انطلاقة هذه المبادرات يبرز ذكاء وحنكة السعوديّة، إذ جاء الإعلان عن سلسلة المبادرات قبل بضعة أيام من انعقاد قمّة المناخ. إنّ هكذا نوع من المبادرات البيئيّة الواعدة يطيح بأية اتهامات  تطال الدول النفطية التي تُعتبرالسعوديّة أكبرها ويرميها بالكامل على الدول الصناعيّة. كما وتعتبر هذه المبادرة مصدر مريح للدول والشركات التي تنوي التعامل مع السعوديّة

بناءً على ما تقدّم، تسير السعوديّة في طريق النأي بالنفس، وتضع حجر الأساس لحصن منيع ضدّ الاتهامات التي تخص الشأن البيئي. كما وتضيف بذلك نقطة جديدة لصالح محمّد بن سلمان إلى جانب النقاط التي سُجلت له في المجالات الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة