By Afif Mashaka | Staff Writer
على الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط يقع لبنان، البلد الذي لطالما تمتع بجمالية طبيعية وأجواء نقية وصافية. جوهرة الشرق على حد تعبير القدماء، أضحى ضحية أبنائه لأزمة بيئية تنتهك أجسادهم. يواجه اللبنانيون عدوًا غير مرئي، مثل الكابوس يسوح في كل بيت وشارع، سحابة سوداء تصول وتجول في السماء اللبنانية، جعلت الهواء النقي حلمًا صعب المنال، سحابة تحمل في طياتها حكاية فشل لنظام على مختلف الصعد. سنستكشف في هذه الكتابة أزمة التلوث الهوائي، ونلقي الضوء على الأسباب التي رغم معرفتنا بها، يجب أن نتذكرها لعلنا نجد حلًا.
يعتمد لبنان بشكل رئيسي على المعامل الحرارية لتوليد الطاقة الكهربائية. في لبنان هناك سبعة معامل أكبرها في مناطق ذوق مصبح، الزهراني والجية. تعتمد هذه المعامل على المشتقات البترولية لتوليد الطاقة الكهربائية. وفي لبنان يتم استخدام الفيول اويل، أحد أسوء مصادر توليد الطاقة، وأكثرها تلويثًا، وعلى وجه الخصوص معمل الذوق الذي يتربع على صدارة المعامل على مستوى التلويث. والدراسات التي أجريت لتحليل جودة الهواء في أجواء منطقة جونية التي تحتضن معمل الذوق، فضلا عن الفحوصات الصحية التي أجريت على سكان المنطقة المجاورين للمعمل، كانت نتائجها كارثية على المستويين، فقد أظهرت دراسة لمنظمة السلام الاخضر، بالاستناد لصور من الأقمار الصناعية أن مدينة جونية وتحديدًا منطقة الذوق تحتل المرتبه الخامسة ضمن أعلى الدول العربيه تلوثا بغاز ثاني اكسيد النيتروجين، والمرتبه 23 على مستوى العالم. وفي دراسة أخرى محلية تحسب مدى احتمالية الإصابة بالسرطان في منطقه ذوق مكايل، وصلت النسبة إلى 170 بالمليون، والتي تفوق بكثير المعيار المعتمد من قبل منظمة الصحة العالمية، وهي حالة واحدة بالمليون، ما أعلنت عنه وزارة الطاقة والمياه في وقت سابق. أما أعمدة الدخان المنبعثة من دواخين المعمل غير ضارة علمًا أن هذه الدواخين لم تنظف ولم تخضع لأي صيانة منذ تأسيس المعمل في أربعينيات القرن الماضي.
ونتيجة الانهيار المالي والاقتصادي، انهار قطاع الطاقة ولم تعد الدولة قادرة على تلبية حاجات المواطنين من الكهرباء، فاضطر الناس للّجوء إلى المولدات الخاصة. وهنا باتت المشكلة أكبر، لأن رقعة انتشار المولدات غطت كل لبنان وزاد تلوث الهواء بسبب وجود المولدات بين الأبنية السكنية، فأصبح اللبنانيون يتجرعون السموم مع كل شهيق. بحسب دراسة أعدتها الجامعة الأمريكية في بيروت مؤخرًا، تم فحص جودة الهواء في ثلاث مناطق في بيروت الإدارية، والتي أظهرت معدلاتها ارتفاعًا جسيمًا بعدد الجسيمات الدقيقة بالمتر المكعب الى الذروة: أربعة أضعاف العدد الموصى به، وذلك في وسط العاصمة قرب مستشفى المقاصد، تلك المنطقة المكتظة بالسكان والعاجّة بالتّلوّث. ولا ننسى حال الطرق في العاصمة، وبسبب غياب التخطيط الحضاري، يدخل يوميا نصف مركبة من مختلف المناطق اللبنانية بحسب الدولية للمعلومات، هذا عدا الشاحنات التي يفوق تلويثها المركبات العادي.
في بيروت الإدارية هناك أكثر من 9000 مولد كهربائي يعمل على الديزل، وما زالت خطط الدولة غائبة للتصدي ووضع الشروط المناسبة للحد من عشوائية هذا القطاع. تلوث الهواء في لبنان يُشكل تحدّيًا صارخًا يتطلب بذل الجهود وتضافرها من جميع الأطراف، حكومة ومجتمع مدني وقطاع خاص. ومن خلال تبني سياسات وإجراءات فعالة، يمكننا حماية صحة المواطنين والحفاظ على بيئتنا للأجيال القادمة.