ايمان عتاني | محررة
يولد الانسان فيعيش طفولته من غير تكلف او اكتراث ثم يكبر فيتحمل مسؤولية وجوده يقيس تبعات أفعاله و يصقل ذاته بمرور الأيام الى أن يأتي يوم يقرر فيها تحمل مسؤولية الآخر. هذه سنة الحياة الا أن الأرجاء تعم بأطفال يجوبون الشوارع بأبدان الكبار تاركين في الأذهان سؤالا واحدا: متى يتعلم الانسان تحمل المسؤولية لأول مرة في الحياة؟
لوحة هي نفسها تتكرر كل عام حتى بات يصعب تمييز الاختلاف لكن هذه المرة، كانت الأزهار الحمر باستقامتها البلاستيكية و تناسقها التام دعوة للعبور الى الجانب الآخر للحكاية.
لأول مرة منذ عام، نظفت الشوارع من الاكياس المرمية هنا و هناك و استبدلت حاويات القمامة بأخرى مطلية بجديد الألوان. تربعت شجرة الصنوبر وسط الساحة يحيطها شريط من الازهار الحمر ليعلم المارون أن سنة جديدة تقرع الأبواب.
غرست الازهار على استعجال وسط التراب وتركت تصيح ان ليس بيني وبين هذه الارض انتماء. قد يستلطف الانسان وردة بلاستيكية على طاولة المطبخ او باقة تترك معلقة للذكرى لكن أن تقف بلا استحياء فوق التراب تنافس نظيراتها الممتدة جذورهن الى الاعماق و تحاول بخبث الولوج بين حقيقتهن زيفا متعمدا فما ذلك غير مرآة تعكس روح البلاد.
يتراءى للناظر بين أوراق البلاستيك الحمر تاريخ لشعب ما عاد يتحمل مسؤولية عيده المزعوم. شعب يرى في نفسه الحق ليستمتع بجمال الازهار لكنه أجبن من أن يعتني بزهرة تتفتح أوراقها بعد انتظار. شعب يهوى اللحظات، لحظات لا يقوى على صنيعها فيستوردها جاهزة ثم يصدأ هو وإياها على مر الأيام.
فيكبر الأطفال و الأصح أنهم لا يكبرون، بين ثنايا عيد يزينه جمال أجوف، جمال لحظي ليس له من دوام. تكبر أبدانهم التي ألفت حقها بإشباع الرغبات تاركين أرواحهم جوفاء خالية. ثم يأتي يوم يخطئون فيه كأي إنسان الا أنهم يقفون عاجزين عن تحمل مسؤولية أخطائهم، يرمون اللوم على المجهول ان عجزوا عن الاتيان بضحية و يتحولون مع كل خطأ يرتكبونه الى آلات لوم نرجسية. ويحين ساعتها السؤال: أيقوى على تحمل مسؤولية أخطائه من عجز عن تحمل مسؤولية أفراحه؟
ثم يصُفّون لائحة المؤامرات الكونية التي تعيث فسادا في الوزارات، و ما الوزارات غير جمع من الناس، أناس يمثلون شعباً هم جزء منه كما هو جزء منهم.
شعب يحتفل يوما بأزقة نظفها ليقضي عاما يلوثها من غير اكتراث. شعب لا يتذكر وظيفة حاويات القمامة الا عندما تدفع الروائح العابرين للاختناق.
شعب كالبلاستيك، يدعي الازدهار و يأبى الا أن يرفضه التراب.