هند الصباغ | محرر
“الأيام في حياة كلٍ منا قائمة، في معظم الحالات، على روتين ما نلبث أن ننجح في التخلص منه حتى نتورط بنسخة أحدث منه بقليل. لذلك عندما نأخذ عطلة أطول من تلك الأسبوعية، فإننا ندمن على تفاصيلها. دماغنا البشري، بشكل عام، يعتاد مشاعر الراحة والسعادة، كما أنه يعتاد أجواء الفرح والأعياد كسائر المشاعر الإنسانية الأخرى. إن قدرتنا على التأقلم نابعة من غريزة حياتية بحتة. وهذا الاعتياد، في معظم الأحيان، يترك على أجسامنا آثاره النفسية والجسدية. وبناءً عليه، عزيزي القارئ، عندما ينتابك ذلك الإحساس المريع والقاتم عند انتهاء عطلة الميلاد ونهاية السنة، اعلم أنه أمر طبيعي جداً، فهو واحد من عوارض الامتناع المفاجئ عن كل ما لا يشبه الروتين الذي اعتدناه في الأيام العادية الخالية من زينة الميلاد، موائد الاحتفالات، التجمعات العائلية الدافئة، وحماس الاقتراب من نهاية دوران الكرة الأرضية حول الشمس. وبذلك، يميل دماغنا إلى اعتياد ما ليس بالمعتاد. ومن هنا، يبدأ الشهر الأول من السنة، نعود إلى أشغالنا، جامعاتنا، ومدارسنا ومنا من يسافر تاركاً أهله مرة أخرى. وسط كل هذا، تمطر السماء وتغيب الشمس فيصبح الجو انعكاساً دقيقًا لحالتنا النفسية، كآبة الشتاء.
اعتماداً على الدراسات العلمية، فإن كآبة الشتاء سببها الأساسي اختفاء الشمس وإعطائها المجال للغيوم بتصدي مسرح السماء بالإضافة إلى ربطها بنهاية موسم الأعياد. فعدم التعرض لأشعة الشمس له تأثير على الساعة البيولوجية المرافقة لتقلص ساعات النهار كما لوحظ انخفاض في مستويات السيروتونين بالجسم مما يؤدي إلى التغيرات في مزاجنا. كما أن انتهاء فترة الأعياد تزيد من صعوبة العودة إلى الحياة المنظمة. ففي لبنان، لا يستمتع الناس بالأجواء والعطل والأعياد وحسب، بل شريحة لا يستهان بها من اللبنانيين تطير فرحاً بعودة أبنائها وبناتها من بلاد الاغتراب. يمسي في البيوت ضحكات من القلب وسهرات شتوية طويلة، فهذه اللحظات في كنف الأهل وحضنهم هي ما تواسي الشباب بعيداً عن أرضهم ودفء عائلتهم. هي لحظات خالية من القلق والفراق والوحدة، يليها نومٌ عميق مطمئن لا محالة. لذلك، وبالرغم من دراية الجميع أن الفراق قائمٌ من جديد، فإن وقعه لا يزال موجعاً. وداع الأهل لأطفالهم سيترك جرحاً في كل مرة. وعليه، فإن الاستمرارية في ذات الحلقة السابقة لكل هذه الذكريات تحدٍ لا يستهان به. زد على ذلك، المسؤوليات الاقتصادية التي يجب التعامل معها بشكل موازي. أقساط الجامعات والمدارس عبء آخر على كاهل العائلات، فالأوضاع الاقتصادية لا تبالي بنهاية الأعياد، كآبة الشتاء أو أي شيء قد يقف بينها وبين استمراريتها. فكيف بإمكاننا مواجهة هذه الضغوطات بلا انهيارات من أي نوع؟
بالبداية، علينا تجهيز أنفسنا مسبقاً للعودة إلى تحمل المسؤولية. فعلى دماغنا أن يتقبل فكرة أنه لن يستمر في منطقة الراحة. كتابة جدول مفصل لأول شهر مع الأعمال والمهمات التي نحتاج أن نقوم بها. الجدول قد يخفف من توتر العودة إلى حياتنا الروتينية ويجعلنا نتقبل ونتحضر نفسياً لكل ما علينا فعله من جديد. البدء بالتحدث مع الأصدقاء أو الزملاء عن تدفق العمل المتوجب علينا في الفترة القريبة. القيام بعمليات تنفس يومية للتخفيف من القلق والتوتر الذي سيؤول بالارتفاع منذ الأسبوع الأول من الدراسة/العمل. تشجيع النفس بالتحدث إليها إيجابيًا كي نضمن نموها الاعتيادي. كذلك، تحديد وقت محدد للمشي تحت أشعة الشمس حين تظهر قد يخفف من الرغبة بالبقاء في الفراش.
في الخلاصة، إن الانتقال من مرحلة إلى أخرى لم يكن يوماً سهلاً. الأمر يحتاج إلى الصبر، الإرادة، والتقبل. لعل الأمور قد تأخذ منحنى أشد صعوبة في لبنان، ولكن رغبتنا في الحياة لطالما تغلبت على أي شيء آخر.