ريم السعود | محرر
جرحى، قتلى، وأشلاء متناثرة.. مشهد لا يستطيع حتى فيلم رعب تصويره. ومع ذلك، ها هو يُرَسِّم على شاشة تلفازك، واضح ولكنه غامض، غير واقعي ولكنه واقعي للغاية. روحك تُستَرعَى بهذا التلفاز الذي لم يشهد له يوم راحة منذ السابع من أكتوبر. الأرقام تتصاعد كأن الدماء ثمن رخيص، كما لو أن هؤلاء الأشخاص لم يكن مقدراً لهم البقاء أبدًا
ويظهر هذا التلفاز كشاهد صامت على الخراب والفقدان. هذه الأرقام لا تعرف مفهوم الراحة أو الرفاهية؛ إنها مجرد إحصائيات باردة. وراء كل رقم، هناك قصة مأساوية وخسارة تجعل النفس تتأمل بكل عمق. عيونك تتوسّل أن تحجب ما تشهده من أطفال لم يلقوا يومًا طعم براءة الطفولة، ووطن لم يشهد شروق الحرية يومًا
جدول الأحداث يحمل في طياته قتلى… أسرى… ومجازر أخرى… ولا يأتي يوم، دون أن يكتب بين ساعاته فصل جديد في كتاب الآلام. وكأن الحرية لم تكن مقدرة لتهمس أبدًا في أرض فلسطين كلمة الحرية. ذهب ذهنك إلى تلك اللحظة عندما آمنت للمرة الأولى بالقول: “إذا الشعب يوما أراد يوما الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر”. فذلك اليوم استحوذ على انتباه العالم بأسره. ولكن بعد تلك اللحظة، اختفى المعنى القديم للأيام، تحول إلى مجزرة اليوم، ومأساة الأمس، ومذبحة الغد
اليأس، كجرعة سامة، يتسلل إلى كوبك بخفاء، في حين تتساقط قطرات الأمل الأخيرة إلى درجة تدفعك إلى التأمل في مرارة الحياة. هل من المناسب تسميتها بعذاب الوجود، أم يكون أكثر تلائمًا تسميتها بالموت الحي؟
“كيف يستمر الإنسان في يومه، كما لو أن الصورة المروعة لأب يحمل رفات ابنه في كيس تترك أثرًا لا يمحى؟ يبدو وكأنه يحمل أجزاء متناثرة من حلم، صار الآن جسدًا باردًا بلا روح
ومع ذلك، تظل أيدي القدر القاسية التي خطفتها غامضة
الحياة قلعتها، ليس بلطف القطاف، بل بقسوة شديدة، كما لو كانت تلك اليد الإجرامية تنتزع زهرة هشة بلا رحمة
..تتوسل روحك يأساً
وبقايا الإيمان المتمزقة في الإنسانية تتوسل إطفاء التلفاز.. ربما للهروب من هذا الكابوس.. لمواجهة اليوم دون أن تظهر تلك الصور المروعة مجددا في ذهنك وصدى الصرخات في أذنيك
تكافح بالإحباط والعجز، حيث تظل تلك الصرخات وكأنها تتوسل بالخلاص، ومع ذلك، تجد نفسك غير قادر على فعل شيء وكأن يديك مقطوعتان، مشاعر العجز واليأس تعتريك. في أعماقك، تقاوم الاعتراف بفقدان الإنسانية واختفاء العدالة في هاوية المجتمع الدولي. على الرغم من محاولات إقناع نفسك بأنهم سيجدون الخلاص والعدالة، تظل الحقيقة الكامنة تتربص—تلك الجثث الباردة التي شهدت عليها قد تحللت دون أن تجد العدالة في هذا العالم.. يائسة.. دون أمل في العدالة في العالم الآخر
تشتاق أن تخرج وتمحو هذه الصور المؤلمة، ولكن كيف والحرب هي ضد قضيتك وقضية حقوق كل إنسان. وأثناء انتظارك للأخبار الجديدة، ينمو الترقب بشكل يائس—نداء شغوف لتدخل إلهي يكسر هذا العذاب بلا هوادة، ويعيد الحياة إلى هذا الظلام العميق
على الرغم من جهدك الحازم للمضي قدمًا ونسيان الماضي، يعود الأمل بقوة هائلة. مستسلماً للإغراء، تشغّل التلفاز من جديد، تنزلق في دوامة لا نهائية من أملٍ متجذر داخل يأس لا ينتهي
هنا وسط صراخات الحرب وجراح الفقدان، ينتابك شعور بالتخبط والتساؤل حول كيفية الاستمرار في هذه الدوامة اللا نهائية. تشعر بأنك جزء من مأساة لا تنتهي، وكأن الزمن قد توقف في هذا السجن المؤلم
في هذه الحرب الصامتة، تعيش وحيدًا، خلف الشاشة، حيث الضوء الوحيد الذي ينير عالمك هو ضوء التلفاز. فهل ينطفئ هذا الأمل، وتطفئ التلفاز، أم تحارب حرباً داخلية أمام ظلام نور الشاشة؟