إيمان عيتاني | 

.منذ متى سلبنا حقنا بالغضب؟ نعم، الغضب. ذلك الذي سوّق على أنه احساس متوحش يؤرق حياة كل من يعد نفسه متحضرا فيحرّمونه على الجميع و يسلبون انسانية من يجرأ على التمسك به

لكن ما الغضب ؟ و لم يهاب الجميع احساسا محضا؟ من ذا الذي قال أن الغضب و العنف أخوان و أن تحريم الجريمة يستوجب تحريم السبب.  أحرم الجوع بعد أن كان حجة السارق ؟ أم أهين كل محروم لأنه تشارك صفات مع قاتل. منذ متى يحاسب الانسان على الاحساس لا الافعال و لم يظن الجميع أن له كل الحق لاستحقار انسان  غاضب. لا بد للصراخ و العنف من رادع لكن ذلك لم يكن يوما بتجزيء الانسان حتى بات يسائل إنسانيته

أليس الغضب تعبيرا عن الرفض لما يخالف فكرة او معتقد. ألا يجعل ذلك الاختلاف الذي يستوجب رفض فكرة دون أخرى شرطا للغضب. ألا يجعل ذلك الديموقراطيين محاربي الغضب محاربين ضد التنوع الذي يدافعون عنه باستماتة؟

لا، لم و لن يريدوا يوما عالما تُتبادل فيه الأفكار على قدم المساواة، بل صورة نمطية لإنسان خاو من كل المبادئ ، صفحة خاوية يخط عليها العابر ما يريد فيبقى الانسان مزيجا من الافكار المتناقضة يقبل الجميع و يؤمن بأحقية الجميع حتى يصير الظالم والمظلوم سواسية. حتى يعامل المدافع عن الحق المقاوم للظلم ارهابيا. و يصير القبول بالجميع، قاتلهم و مقتولهم تمدنا حضريا.

ثم يطالبون هازئين بالسلام. ترى السخرية في أعين مجرمي الحروب يمتطون المنابر لإعطاء العالم دورسا عن الانسانية، عن السلام الذي خطته أياد ملطخة بدماء الأبرياء من مشرقها حتى مغربها، عن حضارة بنوها فوق رفات حروب عالمية.

منذ متى يتساوى سلام الظالم و المظلوم؟ و أي عقل هذا الذي ينتظر الرحمة من مستعمر يفخر بتاريخه الأسود، أي ديموقراطية تلك التي يجنيها من عاش دهرا يستعبد الاختلاف، بل و اختلاف الألوان. 

و لم الاستغراب ؟ فنظامهم لم يبنى يوما على العدل بل هم أنفسهم يعجزون عن تعريف العدل حتى بات مفردة قابلة للنقاش يحق للعالم و الجاهل فيها ابداء الآراء. و حقيقة شعاراتهم الواهية ما هي غير أحقية الأقوى فيحكمون بشريعة الغاب تحت ستار أنظمة حضارية.

 دفاعا عن شعاراتهم يبدأون محكمة التاريخ الهزلية، يتقدم القاضي بجبته السوداء و ينتظر حضور محام و مدع عام قد اتفقا مسبقا على نتيجة القضاء. يعلنون الظالم قائدا فخريا ثم يسوقون ثلة من السجناء تعرفهم من وجوههم المشوهة يصدرون فيهم حكم الاعدام بتهمة الارهاب و بينهم طفل في العاشرة. يبدأون بأضعفهم كي لا يسمع غير همس في الجماهير فيسهل عليهم اعدام الباقين. يجعلون من صمت الجموع دليلا على تواطئهم فيدرك الجمع متأخرا أنهم خسروا يوم اعترفوا بوجود قاض او محكمة. ثم يغضب الجمهور، و ينظر صف القضاة باستحقار ينتظرون اصدار الحكم بالغاضبين. يكتبون التاريخ من جديد بأبطال خونة و خونة أبطال و ينتظرون منا التصديق . يثقون بضعف الذاكرة البشرية و ينسون أن غضبنا تشعله نار الوجود.

أيقتل الاخ أمام أخيه و ينتظرون منه التفهم بابتسامة ؟ أيعذب السجين بالجلد و التجويع و يعتبرون عصيانه مرضا نفسيا ؟ أتحرم الأم رضيعها و يهان حدادها كأنه حدث عابر؟ أيجازى نجاح طفل بتسليم أشلائه لأب خائر؟ أتباد أمة على مرأى العالم و يكون غضبنا خروجا عن الانسانية؟ 

ان كانت هذه هي الانسانية فما لنا بها من شيء. 

لكم وجودكم و لنا وجودنا و لسنا مما يساومون في حق الوجود.