هند الصباغ

هنالك أشخاص في حياة كلٍّ منا لا نسمح لأي ضرر أن يُلحق بهم. هم غاليون لأقصى الدرجات، قد نكون على استعداد أن نهبهم أرواحنا في أي لحظة إن تطلب الأمر. نصبح أنانيين حين يقترب الخطر لمن نحب. فهل لك أن تتخيل لأي درجة يحب الفلسطيني أرضه؟ على مدار خمسة وسبعين عاماً، لم يفدِ هذا الشعب وطنه بروحه وحسب، بل قدم الأقرب لقلبه قرباناً في سبيل تحرير أرضٍ أُخذت عنوةً وظلماً. اليوم، تواجَه غزة وحيدةً، إلا من ناسها الشجعان، بطش عدوٍ غاصب ووقح. لا حدود إنسانية ولا حتىدوليةقادرة على ردع إسرائيل عن العدوان المستمر على غزة، بات ذلك واضحاً بعد المناشدات الشعبية العالمية التي انطلقت منذ السابع من أكتوبر حتى اليوم. إسرائيل عازمة بشكل فوري مهما كلف الثمن، وإن كان ذلك أرواح ناس ذوي حيوات وأحلام وآمال. الذين يقتلون في غزة ليسوا كائنات فضائية بقدرات خارقة على تحمل الآلام، هم أشخاص مثلهم مثل الجالس الأمن في سريره ليلاً، الفارق الوحيد بينهما هو أنه فوق رأس الفلسطينيين عدو قد أعطى لنفسه حق التحكم بمصائرهم وسط صمت حكومي عالمي رهيب لجهة المجازر الحاصلة. فلا مبرر لأن نعتبر حياتهم أقل أهمية من حياة أي إنسان يعيش خارج هذه البقعة الجغرافية المستهدفة سوى نفاق هذا العالم برمته.

يقع لبنان في غربي قارة آسيا. يحده البحر الأبيض المتوسط من الغرب وفلسطين المحتلة من الجنوب وسوريا من الشرق والشمال. ولذلك، وأيضًا بفضل الجغرافيا، لبنان لا يسلم من أيادي العدو العنكبوتية. منذ بدء العدوان الأخير على غزة، كان هنالك قصف متزامن على جنوب لبنان وبالأخص المناطق الحدودية. وجراء هذه الخروقات الأمنية والإنسانية، سقط شهداء للوطن من بينهم صحافيون جل ما كانوا يقومون به هو عملهم، ومدنيون آمنون في منازلهم، وحتى الأطفال لم يكونوا استثناء. فإسرائيل قد اعتادت قتل الأطفال، فحتى الآن قد قتلت ما يفوق العشرة آلاف طفل ورضيع في غزة، منهم من قتل قبل أن يرى ضوء الشمس ووجه أمه. لذلك، ولأن أهالي المناطق الجنوبية على دراية تامة بوحشية العدو وقدرته على تخطي كل المعايير الإنسانية بدؤوا بالنزوح من منازلهم إلى مناطق أخرى على أمل العودة القريبة، حين يتوقف العدو عن قصفه المتواصل للأراضي الجنوبية اللبنانية.

من هنا تبدأ المشاكل اللبنانية الداخلية بالانكشاف عن جديد. فمن جهة، استغلال واضح لأزمة الأهالي النازحين بقيمة الاجارات الخالية التي ارتفعت بشكل واضح فجأة. لطالما وجد فئة من اللبنانيين في الأزمات فرصة لكسب المزيد من الأموال غير مبالين بمعاناة مجتمعهم وانحداره جراء أفعالهم الجشعة، وأزمة ارتفاع الدولار في الفترة السابقة خير دليلٍ على ذلك. ومن جهة أخرى، هنالك فتور وطني لا مبرر. معظم المحطات اللبنانية الإعلامية تنقل المسلسلات والبرامج وبالكاد تذكر القصف والعدوان القائم في الجنوب في نشرتها المسائية. إن التعامل مع ما يحصل قائم على ردود فعلٍ لا تضاهي حجم الفعل ذاته. إن إسرائيل ترى أنه من حقها قتل المدنيين ، وتتمادى بقتل الأطفال. وفي الجبهة الأخرى من الوطن، ترفع لافتات: لا نريد حرباً. قد يكون الشعب اللبناني أكثر الشعوب العربية اختلافاً طائفياً، مذهبياً، سياسياً، اقتصادياً وحتى اجتماعياً، ولكن الاختلاف وطنياً هو على مستوى آخر من الحسابات. إنه لواقع مخيف أن لا يُدَان العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان بشكلٍ واضحٍ وصريح وغير قابل للنقاش من قبل اللبنانيين بأجمعهم. لإسرائيل مخطط استعماري بدأ في فلسطين، وقد لا ينتهي عندها، فمن السذاجة الاعتقاد أننا إن دفنا رأسنا كالنعام فإننا سننجو. الغياب الصارخ لموقف الدولة اللبنانية من كلما يحصل يعكس ضعف الواقع اللبناني

إن كان هنالك سبب واحد للاطمئنان في ظل كل ما يحصل في فلسطين ولبنان، فهو التضامن اللامحدود من كل شعوب العالم. وإن دلّ ذلك على شيء فهو على أن حكومات الدول ورجالها السياسيين، كما في لبنان، في معظم الحالات، انعكاس مشوّه لشعوب