عماد القعقور | محرر
عدوان بيئي على الجنوب:الفوسفور الأبيض
بتوازي مع ازدياد شدة العدوان الإسرائيلي على الجنوب ، صرحت كل من منظمتي هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية أن هجمات التي شنها العدو في يومي 10 و11 تشرين الأول استخدمتا الفوسفور الأبيض وطالبتا بفتح تحقيق نظرا للاستهداف المباشرللمدنيين. مع ذلك، فإن مخاطر الفوسفور الأبيض لا تقتصرعلى قدرته على إحداث حروق مميتة فحسب، بل أيضًا على تدميره غير المباشر للبيئة والزراعة في المنطقة. إذن ما هو الفوسفور الأبيض وكيف يعرض بيئتنا للخطر؟
الفوسفور الأبيض و استخدامه العسكري:
الفوسفور الأبيض هو مادة تماثلية للفوسفور،لا يوجد في الطبيعة بل يصنع من صخور الفوسفات وهو مركب شمعي صلب أبيض أو أصفر اللون. قدرة هذا المركب على الاشتعال تلقائيًا عند ملامسته للأكسجين و انتاجه دخان أبيض كثيف جعلاه مناسبا جدا للاستخدام العسكري سواء كحاجب دخان لتغطية تحركات القوات أو كذخائر حارقة.
ولسوء الحظ، فإن الاستخدام الأخير هو الذي اعتمدته إسرائيل في الأحداث الأخيرة وكذلك خلال حرب تموز 2006 مستهدفة تجمعات مدنية.وذلك على الرغم من أن استخدام هذه الذخائر و غيرها من الأسلحة الحارقة ينظمه كل من القانون الدولي و البروتوكول الثالث للأسلحة التقليدية من أجل ضمان سلامة المدنيين و ممتلكاتهم.
الأثر البيئي للفوسفور الأبيض:
نقلا عن صحيفة “L’orient le jour” حوالي 462 هكتارًا من الأراضي المشجرة، أي ما يقارب عشرين مرّة حجم حرم جامعتنا، لم تعد الآن سوى رماد اثر شهرين من الصراع فقط. فإن أشجار البلوط والصنوبر وكذلك أشجار الزيتون المعمرة التي تناهز أعمارها المئة سنة على الأقل فقدت جميعها بسبب الحرائق التي بلغ عددها أكثر من 340 حريق و ليست سوى بعض الأمثلة عن الدمار الذي لحق ببيئة الجنوب. و الكمية الهائلة من الخسائر نتجت بشكل أساسيّ عن طبيعة الحرائق الناجمة عن ذخائر الفوسفور الأبيض، فضلاً عن القصف الإسرائيلي المستمرالذي جعل من الصعب على أفراد الدفاع المدني الوصول الى المناطق المتأثرة و التعامل بفعالية مع هذه الحرائق المفتعلة ومنعها من الانتشار في الحقول والكروم الزراعية.
و قد يعتقد البعض أن التأثير البيئي لذخائر الفوسفور الأبيض ينجم بشكل حصري عن الحرائق المدمرة الناتجة عن استخدامها، ولكنها ما هي الا ” نص المصيبة“ فالمادة نفسها تعتبر ملوثا خطيرا يمكن أن يقبع في التربة والمياه و حتى الهواء لفترات طويلة من الزمن ما يدمّر الثروة البيئية المحلية.
فعلى صعيد التربة, تتغلغل بقايا الفوسفور التي لم تشتعل الى أعماق التربة فتلوثها و تدمر النظم البيئية الجوفية ما يؤدي الى فقدان الكروم خصوبتها ما ينعكس سلبا على المحاصيل الزراعية.أما في الهواء حيث تنفجر هذه القذائف, هي تشكل خطرا على الطيور المهاجرة.غير أن الضرر الأكبر يصيب مياه الأنهار المجاورة, ويحدث هذا عندما تجرف الأمطار و السيول أي بقايا من الفسفور الأبيض التي لا تزال ناشط كيميائيًا، فتنقلها المياه إلى الأنهار والبحيرات، حيث يحدث سيناريوهان. الأول، ووفقاً لـ “هذه بيروت”، يتفاعل الفسفور الأبيض مع الأكسجين الموجود في الماء مما يتسبب في نمو الطحالب بشكل مفرط، ما قد يؤدي الى نفوق أي ثروات مائية لا تزال موجودة في الأنهار التي تعاني مسبقا من التلوث. السيناريو الثاني هو تلوث الأسماك التي يتم تسليمها إلى المصائد والمطاعم ثم إلى أطباق الناس في المنطقة مما يهدد الصحة العامة.
ومن المهم أن نلاحظ، كخاتمة، أن تلك الحقول التي يتم حرقها و التربة التي يتم تسميمها لا ترتبط ارتباطًا جوهريًا بتراث الجنوب فحسب، بل أيضًا بسبل عيش شعبها الذي يعتمد على الحصاد الجيد لكسب لقمة العيش في ظل الأزمة الاقتصادية. ولا يسعنا إلا أن نأمل أنه بعد أن يهدأ القتال، سيتم اتخاذ الخطوات المناسبة لتقييم التأثير الطويل المدى لهذا القصف ، وأن يتم بذل جهود لإزالة التلوث من قبل الجهات المعنية.