زكريا الشهاري

الكوميديا من أكثر الفنون الجميلة، فهو فن ينشر البسمة على أوجه الناس، ويجعل الضحكات تتردد. واسمها العربي الملهاة لأنها تلهي الناس عن همومهم بالضَحك والسرور، تعتمد على الغرابة والمفارقة والسخرية في الحوادث والسرد.

للكوميديا أنواع، منها السخرية من الحياة وواقع الحياة، أو من الحكومات والأنظمة وبعض الافكار، وهناك المحكاة الساخرة التي تقوم بالسخرية من الأعمال الفنية الأخرى، وأخيراً الكوميديا السوداء التي تدور حول المواضيع التي لا يتم الخوض فيها عادة، وتدار حول مواضيع سوداوية كئيبة.

لنقم معاً -عزيزي القارئ- بتصغير المجهر والنظر إلى الكوميديا العربية، فالملهاة لها جزء كبير في الثقافة العربية، وأجمل كتاب فيه الكثير من الملهاة والطرائف والقصص هو كتاب المستطرف في كل فن مستظرف، وكان العصر العباسي من أكثر العصور التي اشتهرت فيها الكوميديا، بل وشخصيات كوميدية مثل الشخصية الشهيرة جحا وحماره الغريب.

وفي هذا العصر الحالي لعبت الكوميديا العربية أدواراً مهمة، منها سياسي وتوعوي وثقافي واجتماعي، فحين تشد السياسة وزرها على العربي، يذهب الى السخرية منها قاصدا بالسخرية تبيين ضعفها وكسر هيبتها وكذلك الترويج عن نفسه، وتنتشر الافكار بشكل عام، والسياسية بشكل خاص بشكل أسرع بين الناس لسلاستها السماعية وسهولة تذكرها لربطها بالبسمة والضحكة.

لكن الكوميديا ليست بهذه البراءة، سواء في العالم العربي او كل أصقاع العالم بشرقه وغربه تم استخدام الكوميديا مثلها مثل أي فن تعبيري آخر بطرق سيئة، مثل العنصرية والسخرية من المعتقدات الدينية والفكرية والفلسفية، أو تصوير عرق معين أو جماعة معينه بطريقة معينه وربطهم بهذه المفاهيم المغلوطة في عقول البشر لفترات طويلة.

وفي الكوميديا إبداع كبير وقد يتعدى الخيال الى درجات كبيرة، فمثلا نجد الإبداع في الكوميديا التي تسخر من الأنظمة والشعوب فالكوميدي يحاول توصيل هذه السخرية ولكن دون ايقاع نفسه في المشاكل والسجن وغيرها، فنجده يلتف بطريقة مبتكرة حول المعاني فيصل المعنى مبهماً وواضحاً في نفس الوقت، مبهماً بطريقة تجعل الحكومات غير قادرة على محاسبته، وواضحة تجعل المواطن يضحك على البلية التي قد ابتلي بها، ونجد أيضاً إبداعاً كبيرا في الكوميديا السوداء، وجعل الإنسان يضحك من مواضيع لا ترتبط عادة بالضحك وجعل المتلقي يضحك منها، مواضيع كالموت والطلاق والسجن والمرض والجنس.

ولكن أصبحت الكوميديا في كثير من الأحيان في العصر الحالي تخلو من الإبداع، بل وتصل الى مستويات عالية من السذاجة، وأصبحت فقط مجرد تكرار لأفكار وطرائف دون إبداع، او التْوجه الى الكلام الفاحش او البذيء الذي يضحك منه البعض دون سبب منطقي، او تكرار جنسي بصورة ساذجة، حتى لو كان في هذا التصوير تشجيع على التحرش والايذاء الجنسي، أصبحت الكوميديا بشكل كبير تخلو من معنى أو مغزى أو رسالة هادفة.

وفي النهاية، للشعوب ذاكرة انتقائية فهي تتخلص من كل ساذج وقبيح وتبقي على كل شيء مبدع وجميل، فها نحن اليوم بعد ألف عام نضحك على قصص جحا ولا أحد فينا يتذكر ذلك الفلم السخيف الذي صرفت عليه وزن بطلة ذهباً وعُرض قبل عامين