نزار بو كروم | كاتب صحفي

في كانون الأول ديسمبر من العام 2009 صدر كتاب “الثوريون لا يموتون أبدا” الذي يتضمن حوارا صحفيا طويلا أجراه الصحافي الفرنسي جورج مالبرينو مع الدكتور جورج حبش، مؤسس حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مناضل أممي وأحد أبرز قادة الثورة الفلسطينية في النصف الثاني من القرن الماضي. وحبش هو فلسطيني ولد في مدينة اللد عام 1926 لعائلة ميسورة فترة الانتداب البريطاني لفلسطين، توجه إلى بيروت لمتابعة دراسته في الجامعة الأميركية وتخرج منها طبيبا عام 1951. وفي الجامعة الأميركية، بدأ حبش نشاطه السياسي متأثرا بالتطورات والأحداث في فلسطين والمنطقة العربية، ومنها النكبة الفلسطينية عام 1948 التي كانت الأشد وقعا عليه، فأسس حركة القوميين العرب عام 1951 إلى جانب زميليه وديع حداد وأحمد الخطيب وغيرهما. انتقل بعدها إلى الأردن التي أسس فيها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد هزيمة 1967 التي قرر من بعجها تركيز نشاطه على الكفاح في سبيل التحرير الوطني، ثم عاد مجددا إلى لبنان ليستقر أخيرا في سوريا عام 1982 حتى وفاته في كانون الثاني عام 2008

ويشتمل الكتاب الذي صدر بعد قرابة عامين على وفاة صاحبه على السيرة الذاتية لل”حكيم”، بحيث يستذكر حبش مختلف مراحل مسيرته الطويلة والحافلة بالأحداث في حوار صحفي طويل أجراه قبل وفاته بفترة وجيز. يستهل جورج مالبرينو حواره بأسئلة تتعلق بحياة حبش الشخصية، عن نشأته وعائلته وتعليمه وذكرياته في فلسطين قبل أن يضطر إلى تركها عقب النكبة عام 1948. يعبر حبش في هذا الفصل عن حنين وشوق كبيرين للحياة الهادئة في فلسطين ومرحلة النضال الشعبي ضد الانتداب البريطاني والمشروع الصهيوني، تلك المرحلة التي شكلت بداية الوعي السياسي لحبش وساهمت في صقل شخصيته وتثبيت مبادئه السياسية

ينتقل بعدها ليتكلم عن أولى تجاربه في مضمار العمل السياسي المنظم في الجامعة الأميركية في بيروت تحديدا في منظمة العروة الوثقى ذات التوجه العروبي وصولا إلى تأسيس حركة القوميين العرب. وعندما نشبت الحرب العربية الإسرائيلية الأولى عام 1948 سافر حبش إلى فلسطين لمساندة المقاتلين في مدينته اللد عبر تقديم الإسعافات الأولية للمصابين كونه لا يجيد استعمال السلاح. لشدة تعلقه بوطنه، اختار طوعيا تعليق دراسته للطب في الجامعة للمساهمة في مقاومة غزو العصابات اليهودية لبلاده بشتى الوسائل المتاحة. قلما تجد سياسيا ثبت على مبادئه وحافظ على تعلقه بوطنه منذ بداية مسيرته السياسية حتى وفاته كجورج حبش، مع ما قد يجلب الثبات على المواقف من متاعب وهزائم في اللعبة السياسية. بعد سقوط اللد عاد لمتابعة دراسته في بيروت وركز نشاطه على تقديم الخدمات الطبية والتعليمية في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين وتعرض لملاحقة السلطات اللبنانية بسبب نشاطه السياسي. اللافت أن حبش كشف عن انتسابه إلى إحدى المجموعات السرية التي هدفت إلى اغتيال الشخصيات التي تعتبرها مسؤولة عن النكبة. وهذا إن دل على شيء، فهو يدل على إيمانه بالعنف وسيلة لتصفية الحسابات السياسية حتى ولو كان الغرض من استخدام العنف هو الانتقام فقط. ويؤكد هذه الفرضية شعار حركة القوميين العرب التي أسسها عام 1951 “وحدة، تحرر، ثأر”. وفي نظري، إن الدعوة المستمرة للثأر يحرف الناس عن طريق الكفاح المستقيم الهادف لاسترجاع الحقوق المستحقة على قاعدة “أخذ العنب وترك الناطور.” غير أنه تدارك الأمر عام 1959 فاستبدلت كلمة “ثأر” بعبارة “استرجاع فلسطين.” ساهمت العلاقات التي نسجها حبش في الجامعة الأميركية في انتشار فروع حركة القوميين العرب في عدد من الدول العربية منها لبنان والأردن والكويت والعراق ومصر وليبيا واليمن. في تلك الفترة كان حبش يؤمن بأن تحرير فلسطين لا يمكن أن يتحقق قبل تحرير الوطن العربي من براثن الاحتلال والاستعمار والانتداب. لذلك كان ـتأسيسه لحركة القوميين العرب ودعوته للوحدة العربية ودعمه لحركات التحرر العربية في اليمن الجنوبي والمغرب العربي

..يتبع