علي الهادي إسماعيل | كاتب صحفي

‎أنا القائم اللائح، فورة وتطور للموروثات (genes) العهيدة، أبصرت النور في بانجيا قبل ان أكون إنساناً، أذعنت الإفري (اللغة الامازيغية) اي الكهوف، فدعي المقطن بأفريقيا، أتقنت التغرب بين ربوع بانجيا حتى احتفظت بفتات صخرية من كل ركن من أركانها، احتشدها لبناء ما انا عليه من حضارة.

 غرست الاساس والحصاد، حرثته ما بين النهرين، ورويته من النهر العظيم (النيل حديثًا)، فتعلمت في ربوعه التدوين، و كل ذلك قبل أهراماته. وطأتُ درك النيل الأسفل، واستنبطت الطب والهندسة، ففقهت علوماً مسهو سرها. 

اتقنت التنظيم وأبرأت الديموقراطية بواسطة مجلس الجماهير (الإكليسيا) في الاغريق، فوضعت دباجة الفلسفة والميتافيزيقيا، واستحدثت القانون بماعية ومؤازرة شرائعي الاولى في الرافدين، بعد ان فككت في حدائقها المعلقة طلاسم الجهل. و لما أسكنت الانماء مداركه والأرومة موضعها، عرجت شرقًا، فأضرمت النار واججتها في تألق تلك الفورة، فورة التجارة مع فنيقيا، التي استفاضت صادرتها غبراء الارض، و خوض العرض، فكانت الأبجدية أبقاها… أبحرت الأمريك مصادفةً و رقشت الخرائط، وسكنت سور الاقصى، فآنست العقائد، وأتقنت الكلام، و أستقريت الجزيرة قبل الاسلام، ولما ذاع و تأجج، وطأة نسيم الفتحات، من فارس مروراً بزمن الغبراوات، وصولاً الى الاندلس، فترجمت لاحقاً نتاجي سابقًا، و نقشت العلوم مجددًا، كاسراً كل محاولة لوضع حدود، وما فتئت الفن، فظهرت الطبيعيات والميتافيزيقيات والمؤلفات بحلتها المعاصرة، ولم يُعرف لها من مصدر مكاني.

 خلطت أنا الانسان الاوراق في مطلع العشرين، فجزأت الضوء وتماوجت المواد، و ابانت الاحماض النووية والبوليميرات بعين العقل جهوراً، وذللنا العوائق فضاءً، فتجاوز حدود الزمان للعقل رائق، وسط كونٍ لا ملكية او حيازة لأحدنا به من جزئ فائق، علينا دقةً وتنظيماً رائق. و لما شط المرء بالعلوم حاجب السعي نحو اللامنتهى، تلبيةً لغاية الوجود، وضع العسرات حدوداً وعوائق سياسية، بددتني كآدمي، وسلبت مني الانس، فخرقت سرعة السياسة حدود التاريخ و الحضارة و العلوم والوطن الارض، فنشأت بدعة المواطنة، فوسعت بي مساحة الكون أسيراً ضمن مساحة جغرافية حددتها نفسي لنفسي.