مظفر أمين | كاتب صحفي
ظاهرة باتت ملحوظة خلال العقد الاخير في أغلب البلدان العربية التي تعم فيها الفوضى خصوصاً بعد أحداث الربيع العربي و احتلال تنظيم “داعش” لبعض أجزاء العراق و سوريا، كذلك تماشياً مع الزيادة السكانية التي تشهدها هذه البلدان, أدّى الى الانتشار الواسع لتحويل الاراضي الزراعية الى اراضي سكنية بالرغم من وجود قوانين في البلدان العربيه لا تسمح بهذا الأمر, تالياً, لا تقر بتحويل صنف الاراضي الزراعية الى أراض سكنية في الدوائر العقاراية الرسمية. من جهة أخرى, نلحظ إزدياد ملحوظ في تقلّص الاراضي الزراعية و تحويلها الى اراضي سكني.
هنالك إهتمام من قبل العالم أجمع بمسألة الحفاظ على البيئة ومحاولة تقليص ظاهرة الاحتباس الحراري وتوفير موارد بديلة للطاقة بدلاً من الوقود المستخدم الذي يساهم في زيادة التلوث. كذلك, نلاحظ أن هناك دول من العالم الثاني يعتمد إقتصادها بنسبة غير قليلة على الزراعة مثل إسبانيا وهولندا وغيرهم, نلاحظ في الجهه الاخرى من العالم العربي إن هناك جهات وأحزاب فاسدة تقوم بعكس ذلك تماما وتضرب المعول في صميم القطاع الزراعي والبيئي. إن هذه الضربة تمثلت بعدّة أشكال, ولكن أبرزها تحويل قطع الأراضي الزراعية والمسجلة كصنف زراعية الى سكنية عبر بناء العمارات والبيوت السكنية, مع العلم إن هذا الأجراءات مخالفة تماماً للقوانين المنصوصة في جميع الدول العربية.
و رب سائل يسأل “إذا كان هذا الإجراء مخالف تماماً للقوانين حسب نصوص الدستور في جميع البلدان العربية, فلماذا لا يتم منع أي جهة تحاول تشييد الأبنيه على الأراضي الزراعية” . الجواب ببساطة يتلخّص بالفساد المستشري في جميع الدول ألعربية, بالأضافه الى حدوث النزوح من مناطق إلى أخرى زراعية -سابقاً بسبب الحروب).
في نفس الوقت, ليس باستطاعة أي جهة توجيه اللوم للمواطن الذي يقوم بتشييد سكن له ولعائلته على الأراضي ذات التصنيف الزراعي. المواطن يقف مهموماً, حيث لا يستطيع شراء الأراضي ذات التصنيف السكني نظراً لغلاء أسعارها, وحتى إن استطاع ذلك, فقد لا يجد المكان المناسب بالنّظر لقربه من مكان عمله أة عائلته.
يعدّث العراق من الأمثلة الصارخة في موضوع تحويل الأراضي الزراعية لسكنية منها. أحد الصفقات في التاريخ الحديث بهذا البلد الزراعي العريق هي هي محاولة تحويل الأرض المخصصة لكلية الزراعة في جامعة بغداد و الواقعه في قضاء “أبو غريب” إلى مجمعات سكنية, و قد نجح السياسيون في تنفيذها, و تم نقل الأراضي الزراعية من مكانها التاريخي إلى مكان آخر, مع تخفيض كبير المساحة المتاحة.
يروي لنا المهندسان الزراعيان ثائر العزاوي وعامرالدهاجي لنا ما خلف الستار في صفقة “أبو غريب”. بدأ الأمر بتخريج قانوني إتبعه المستثمر بتجيير بناء وحدات سكنية للعاملين الأكاديميين, وهذا طبعاً مجرد غطاء إعلامي, لكون المستثمرمن أصحاب النفوذ وعلاقات واسعة.
الامثلة على محاربة القطاع الزراعي في العراق كثيرة وليست محصورة بمحافظة عن أخرى. فهناك ايضاً مشروع تحويل اجزاء كبيرة من الأراضي الزراعية في المناطق الواقعة في محيط العاصمة بغداد الى أراضي سكنية. هذه الأراضي طالما كانت ضي هي المخزن الرئيسي للأسواق البغدادية الغنيّة بالخضار والفاكهه الطازجة لكونها أراض تتميّز بخصوبتها الكبيرة. المؤلم جداً في الأمر هو قطع أشجار النخيل الباسقة في هذه الأراضي التي مضى على زراعتها ما يقارب الربع قرن او أكثر, مع إنها تشكل غطاء أخضر يحمي العاصمة من موجات الأتربة ويساهم بتلطيف الأجواء الصحراوية.
لربما يسأل القارئ الكريم ” لماذا يضحي المزارع بأرضه, و يدمّر ثروته الطبيعية”, ولجواب إن المشاريع الزراعية بصورة عامة لا تصبح ذات جدوى إقتصادية بدون دعم الدولة . الدولة إن لم تدعم الفلّاح على سبيل المثال بتوفير الأسمدة الزراعية بسعر مناسب وبمكافحة الاَفات الزراعية أو ترسل مرشدين زراعيين وترد الحلول لمشكلة شح المياه, فلن ينجح المزارع و تاليا سينهار القطاع.
بدون الخوض في السياسة, فإن الملاحظ إن أفضل بلد عربي يتم فيه دعم الزراعة بصورة جيدة في سوريا. الأمثلة المساعدة كثيرة منها:أن المنتجات الزراعية السورية تصل الى المستهلك العراقي في مختلف فترات العام بدون أي نقص حتى بأشدّ الظروف السياسية.
في الختام, فلنتذكر دائماً المقولة التي تقول ( إن الزراعه نفط لا ينضب) ولنتذكر كذلك لماذا أغنى اغنياء العالم من أمثال بيل غيتس يمتلك ما يقارب ربع الأراضي الصالحة للزراعة في
الولايات ألمتحده الأمريكية. أخيراً,لنتذكر إننا بدون زراعة نكون بكل سهولة بدون غذاء, ولا يمكن لأي دولة في العالم من حل هذه المشكلة عنّا.