نزار بو كروم | كاتب صحفي

في آذار/مارس عام 2014 أصدر البنك الدولي تقريرا فند فيه إمكانيات دول المشرق العربي الاقتصادية والبشرية موضحا أهمية التكامل والتعاون بينها لتشكيل قوة اقتصادية على مستوى المنطقة والعالم. أطلق على هذا المشروع الواعد اسم الشام الجديد. بعدها بست سنوات، أعاد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي استعمال التسمية في تصريح لصحيفة واشنطن بوست حينما تحدث عن مستقبل مشرق لمنطقته مع تدفقات أكثر حرية للتكنولوجيا والرساميل كما أعلن اعتزامه اللقاء بالعاهل الأردني والرئيس المصري للبحث في الأمر.

وسرعان ما توالت الاجتماعات العراقية المصرية الأردنية للبحث في المشروع ومباشرة توقيع الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية. هذه الاتفاقيات ترمي إلى تعزيز التعاون في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة والاستثمار بين الدول الثلاث، ما يساهم في إنعاش اقتصاد المنطقة وتحقيق التكامل بين دولها.

حماسة العراق للمبادرة بإحياء التحالف الاقتصادي المذكور تعزى إلى أسباب عديدة منها اقتصادية ومنها سياسية واستراتيجية. فالعراق ما زال يعيش تداعيات حرب أزهقت آلاف الأرواح وتسببت بدمار على مستوى البنى التحتية والمرافق العامة والمباني السكنية وغير السكنية. كما أنه وبسبب موقعه الجغرافي يدفع ثمن التجاذبات بين أميركا التي تسعى لاستعادة نفوذها فيه وإيران التي تعتبره الفناء الخلفي لها والذي لا يمكن التخلي عنه. من هنا، يتطلع العراق الى تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية في آن معا من خلال مشروع الشام الجديد. فهو سيحصل بموجب الاتفاقيات الموقعة على مساعدة الشركات المصرية والأردنية في عملية إعادة الإعمار التي تقدر وزارة التخطيط العراقية تكلفتها بنحو 88 مليار دولار. علما بأن العراق، الذي يعاني من عجز مستمر في ميزانية الدولة بلغ في العام الماضي 19.7 مليار دولار، كان قد حصل من أجل إتمام مهمة إعادة الإعمار على مساعدة من البنك الدولي بقيمة 30 مليار دولار كما تعرض لضغط إيراني لتسليم الشركات الإيرانية حصرا هذه المهمة وفق وثائق استخباراتية مسربة نشرتها صحيفة نيو يورك تايمز عام 2019. سياسيا، سيشكل هذا المشروع فرصة للحد من النفوذ الإيراني في العراق وهذا بدوره يفسر الترحيب الأميركي بالحلف الجديد.

من ناحية أخرى، مصر تعاني سياسيا واقتصاديا، مع تنامي الأخطار المحدقة بها من جميع الاتجاهات. فإثيوبيا ماضية في أعمال سد النهضة، وتركيا تهدد حصة مصر من الغاز الطبيعي في البحر المتوسط. لمواجهة هذه الأخطار، انتهجت مصر سياسة دولية ناشطة تقوم على التقرب من دول الخليج العربي والانخراط في ملفات إقليمية لاستعادة مكانتها السياسية التاريخية في المنطقة. فاضطلعت بدور كبير في الحرب الليبية بدعمها للمشير خليفة حفتر ومجلس النواب الليبي كما كان لها الفضل في إنهاء العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة. ولا شك أن الحلف الجديد يعزز دورها وموقعها في هذا المجال. أما مكاسب مصر الاقتصادية فتشمل الأرباح المحققة من جراء تصدير مواد ومستلزمات البناء المصنعة محليا وتوظيف اليد العاملة في عملية إعادة إعمار العراق. كما أن الاتفاقيات الموقعة نصت على تزويد مصر لكل من العراق والأردن بفائض ما تولده معاملها من طاقة كهربائية، وعلى مد أنابيب النفط الخام من البصرة إلى مصر مرورا بالأردن بأسعار مخفضة لتتم تصفية النفط في المصافي المصرية لإعادة تصديره من جديد. 

أما الأردن، الدولة التي تعاني من شح في الموارد للطبيعية والاقتصادية، فتسعى من خلال هذا الاتفاق إلى تعزيز دورها السياسي الذي ضعف بفعل اتفاقيات التطبيع العربية الإسرائيلية، فتجلى هذا الضعف في محاولة انقلاب شقيق الملك عبد الله في نيسان الماضي والذي أثار علامات استفهام حول دور محتمل لعبته إسرائيل ودول الخليج في دعمه. وهي ستشكل صلة الوصل بين مصر والعراق مستفيدة من الاتفاقيات الموقعة في مختلف القطاعات كما ستشارك شركاتها في إعادة إعمار العراق.

فرص نجاح الحلف الثلاثي وتوسعه ليشمل دولا أخرى في المنطقة كبيرة، خصوصا في ظل ترحيب واشنطن ودول الخليج بهذه الخطوة التي ستقوض نفوذ إيران. كذلك الأمر بالنسبة لإسرائيل التي تملك علاقات دبلوماسية مع مصر والأردن ولن تجد ما يهدد مصالحها في هذا الاتفاق. غير أن التحديات التي قد تواجه المشروع آتية من الشرق هذه المرة، وتحديدا من إيران وتركيا وروسيا التي سيعرّض تحالف عربي من هذا النوع مصالحها السياسية والاقتصادية في المنطقة لخطر كبير.