زكريا الشهاري | كاتب صحفي
أيها الحب، سلامٌ عليك، أي وجه من أوجهك سوف تريني هذا الصباح؟ وهل لك عدة أوجه أم أنك جماعة ولست فرداً؟ غريب أمرك أيها الحب
اتفق الناس، وأن أختلفوا مع بعضهم قليلاً، في كل ماهو في القلب، فنحن نعرف الألم والسعادة والحزن والكآبة والوحدة، فلو أخذت طفلين و فتاتين وأربعة بالغين، لاتفق أغلبهم على نفس التعريف، ولم يكن الإختلاف بينهم إلا طفيفاً، ولو سألتهم عن تعريفك أنت لتلعثم الطفلان وخجلت الفتاتان ولم يتفق أحدٌ على تعريف، فقلي بحقك من أنت؟
نحن نعرفك أيها الحب بلا تعريف، نحن الذين نعرف كل شيء مع الوقت، سنون وعقود ولا نجد لك تعريفا، ولكننا نحس عليك ونعرفك، فأن كنت في القلب عرفناك، وأن لم نقرر بوجودك في القلب وأنكرناك أعترفنا بك بالأنكار، وان لم نعرفك شككنا بوجودك وعرفناك، فلا مفر لنا منك
ولكن الغريب فيك أننا مهما عرفناك نبقى لا نعرفك، نمشي بعدك ولا نصلك، أيها الحب أنت الأوضح من شمس النهار، والأكثر غموضاً من سواد الليل، من قال أنه يعرفك تماماً فقد جهل، ومن ظن أنه سوف يعرفك تماماً فهو أجهلُ منه، فأنت بحرٌ لا نهاية لزرقته، لك في كل يوم لكل واحد منا وجه
وأنت ياسيدي كالمطر، يبلل كل سقفٍ في المدينة دون تمييز لا تترك أحداً، وإني لا أعرف هل أقول عليك نبيلٌ كريمٌ لم يفرق بين هذا وذاك، أم شريرٌ حقودٌ لم ينج منه أحد، فهل أنت شرٌ كما قال المتنور أو خير كما قال بعض من في الغرب؟ أو هل أنت خدعة؟
أشرب قهوتك ياهذا قبل أن يتغير وجهك من جديد، ثم أخبرني ياهذا كيف تكون أنت وحدك السعادة والأسى؟ الفرح والحزن؟ النور والظلام؟ التعاسة والنعيم؟ فقط قل لي كيف لمتناقضين أن يجتمعا في شخص واحد؟ وهل علينا أن نرتشف الأسى حتى نستَطعم قليلاً من السعادة لا تكفي لتزول آثار ماقبلها من القلب؟ أو هل تُطعمنا قليلاً من هذا فقليلاً من ذاك؟ أو هل نصفك الأول أسى والآخر سعادة؟ أو العكس في هذا كله؟
لكنك مخادعٌ جداً، تُذوقنا السعادة ثم تدخل الأسى شيئا فشيئا، فإن لاحظنا الأمر وأردنا الهروب منك تعود لتطعمنا كثيراً من السعادة كي تخدعنا للبقاء، ثم إذا صرنا مُعلقين على حبالك، جرعتنا الأسى حتى تموت قلوبنا
أتظن أني أظلمك؟ أخبرني كم قلباً كسرت من أول يوماً لنا على هذه الأرض؟ لا تقل أني أظلمك فأنا وكل بشرٍ ضحاياك، وان كنت ترى نفسك بريئا فكما تمنى قيس وهو يصارع الموت بسببك، ذق من كأسك الذي تشربنا، أحبب وقع في الحب، وأنظر الى أوجهك وعش ما نعيش، فكم أستشهد في سبيلك مجازا وواقع، أظنني ظلمتك، اشرب قهوتك يا صديقي
ولكن أخبرني؟ كيف تجعلنا حمقى؟ كيف تجعل الفارس جبانا؟ والعالم جاهلا؟ والشيخ طفلا؟ والطفل شيخا؟ ألم تكفيك قلوبنا لتعبث فيها، ولكن زدت عليها عقولنا وجعلت الأعمى بصيراً والبصير أعمى، والأبكم شاعراً والشاعر أبكم، والعاجز قوياً والقوي عاجزا، ولكني لا أنكر يا صديقي أن في هذا شيء من الجمال واللطف
ولكن ياصديقي لست وحدك الملامُ على هذا، فنحن كما نفعل بكل شيء جميل، صببنا عليك من نجسنا ودنائتنا، لوثناك بأروحنا السوداء، كم جرحنا وقتلنا أرواحاً وأجساداً بسببك، كم جلبنا من حزنٍ واسى لغيرنا من البشر بسببك، وكم سلبنا من صفائك لكي نحقق رغباتنا وشهواتنا باسمك، ولم يعد أحدٌ يحب لك، يحب للحب بذاته
دعني أعيد ملء الفنجان لك يا صديقي، وعذرك ياصديقي أنك لا تأتي وحيداً ولكنك تأتي بعد أن يأتي أحد قبلك، ثم أن هذا الانسان يجذبك إلينا، فأنت ياسيدي وأنت القوي الذي لا يقدر عليه احد، تكون رهن أحدهم، رهن قلبه وعقله وأخلاقه، رهن هل يجعلُ منك بيننا صديقاً لنا أو عدواً لنا، نحن من نجعل منك هذا، نحورك أيها الحب وفقاً لتفاعل كياناتنا، ثم نِكشف على وجههك لنرى على ماذا حصلنا، وقد تكون رهن مجتمعنا وديننا وما كبرنا عليه، وكيف صوروك في عقولنا، أيها الحب أنت الأمير العبد، انت حاكمنا ونحن حاكموك، يا لها من سخرية
لهذا أنت لا تُعرف ياصديقي، لأنك نسبي لا مطلق، تختلف من زوج أرواح إلى آخر، ومن وقت إلى آخر، ومن مجتمع إلى آخر، فأنت المظلوم لا نحن، ونحن الظالمون لا أنت، وإني أبرئك من كل جرم أتهمناك به، وأُجرم أنفسنا بدلاً عنك، وأن العيب فينا وفي من نحب وفي عقول من حولنا، وليس فيك، فسلام عليك أيها الطهر
.أراك لم ترد على كل أسئلتي، وأرى كرسيك فارغاً وكوب قهوتك بارداً، وعلى الطاولة الكثير منها، فلو كنت قد جرحتك فأعذرني ولا تحمل علي، فنحن البشر هكذا نجرح الجميع، وأظنك تعرف هذا جيداً
.لحظة، تذكرت أن لا وجود لك أمامي في الكرسي الآخر، ولكنك في داخل