العمل على إبعاد المجتمعات عن مسار العنف هو فنٌّ من فنون الصحة العامة

نبيهةٌ، حيويةٌ ومُغامِرة هي صفات تناسب نانسي يموت تمامًا. بابتسامةٍ آسِرة وطاقة إيجابية غامِرة، تَصفُ عملها مع أكثر المجتمعات المحلية تحديًا في لبنان. تتبَع نانسي شغفها في مجال منع الجريمة، فلا تتردّد للحظة في تخصيص وقتها وجهدها لمساعدة الشباب الذين يعيشون في المناطق المحرومة التي تُعرف بألخَطِرة. بدأت نانسي مسعاها في مجال منع الجريمة بإجراء مقابلات مع سُجناء مُتهمين بالتطرّف والأعمال غير المشروعة في سجنَي رومية وبربر الخازن في لبنان. كان هدفها تطوير ملف التحليل السلوكي الذي ساعدها على وضع برامج فاعِلة ملائمة للسياق اللبناني لمنع الجريمة . تُخبرنا نانسي: “بعد أن أمضيتُ حوالي اثني عشر عامًا في مقابلة سجناء متَّهمين بالتطرف وجرائم العنف، لاحظتُ أن العصابات تقوم بتجنيد الشباب في بعض المناطق المُهمَشةِ في لبنان. لذا قررتُ أن أركّز في عملي على هذه المجالات وأن أُقدم برامج مُلائِمة لمنع الجريمة”.

بدأت نانسي حياتها المهنية كمُترجِمة، غير أن عملها مع منظمة “الإنسانية والشمول” المعروفة سابِقًا بـهانديكاب إنترناشونال دفعها إلى تغيير خُططها المهنية، فقد هزَّت كيانها الظروف المعيشية الصعبة التي تعاني منها المجتمعات المحلية الهشّة، حينئذ قررت أن تفعل شيئًا. أَتَمّت نانسي دراستها العليا في كلٌ من العمل الاجتماعي وإدارة الأعمال، وحازت على شهادة بكالوريوس في العمل الاجتماعي. وفي عام 2014، أسّست مع شقيقتها مايا، مُنظمة غير حكومية تُدعى “Rescue Me” أو “أنقِذني”، وتهدف لمنع الجريمة من خلال تطوير وتقديم برامج التدريب المهني وبرامج الفن التعبيري والدعم النفسي الإجتماعي. مُنظمة “Rescue Me” هي إحدى المنظمات غير الحكومية القليلة جدًا في لبنان التي تُركز على علم النفس الشرعي ومنع الجريمة.

وبناءً على المقابلات التي أجرَتها منظمة “Rescue Me” في سجنَي رومية وبربر الخازن، باشرت المنظمة العمل في مجتمع محلي محروم في ضواحي بيروت، حيث تنشط العصابات في تجنيد الشباب للإلتحاق بصفوفها وممارسة العنف والجريمة. وقد تطلَب الوصول إلى هذا المجتمع المحلي تخطيطًا دقيقًا وإذنًا من المسؤولين عن المنطقة. تعمل مُنظمةِ “Rescue Me” في تلك المنطقة منذ ثلاث سنوات وتَعقِد دورات تدريبية مهنية ودورات أخرى حول استبدال السلوك العدواني للشباب المُعرضين لخطرالإنحراف السلوكي. يساعد هذا التدريب لمشاركين على التعبير عن مشاعرهم، وبناء مهاراتهم في التواصل، وتطبيق التفكير الأخلاقي الصريح، واستخدام تقنيات السيطرة على الغضب بشكلٍ فاعلٍ. نتيجةٍ لذلك، يشهد العديد من المشاركين تحولاً إيجابيًّا ملموسًا في شخصياتهم. لقد أتاح التدريب المهني فُرصًا جديدة للشباب الذي بدأ العديد منهم العمل في وظائف لم تكن متاحة لهم قبل هذا التدريب.

كما قدّمت مُنظمة “Rescue Me”، بالتعاون مع دار الأمل، حملة للكشف عن فيروس نقص المناعة البشرية “الإيدز” وأنشطة في مجال تعزيز الصحة حول الأمراض المنقولة جنسياً. “العمل الإجتماعي والصحة العامة يسيران جنبًا إلى جنب فنحن بحاجةٍ إلى خبراء في الصحة العامة لتطويروتنفيذ وتقييم برامج تعزيز الصحة. ولكن، ما هو عدد الخبراء المستعدين للعمل في  ِتلكَ المناطق المليئة بالتحدّيات؟” تُشير نانسي.

وعندما سُئلَت: “كيف تحافظين على هذه الابتسامة الجميلة خلال عملك في ظروف مُجهِدة كهذه؟” أجابَت نانسي: “أحبُّ هذا العمل! أُحب مساعدة الناس للحصول على حياة أفضل حتى وإن كلفني ذلك في بعض الأحيان تعريض حياتي للخطر.”

كالفراشة، انجذبَت نانسي نحو شغفها في الوصول إلى أساس السلوكيات غير المشروعة وبناء مجتمعات محليّة أكثر أمانًا من خلال منع الجريمة. لذلك، تعمل نانسي بجدٍ، وتتعاون – عند الحاجة – مع منظمات غير حكومية أُخرى وخبراء في مجال الصحة العامة. هدفها هو مساعدة الشباب المُهمشين على التخلّص من تجنيد العصابات لهم. وهذا يعد فنٌّ من فنون الصحة العامة!