ممارسة التسلُّق لتحسين الصحة النفسية هو فنٌّ من فنون الصحةِ العامّة

لقد شكّلت رياضة التسلُّق نقطة تحوّل في حياتها. عندما بلغت إلسا رعيدي الثامنة عشر عاما كانت تمرّ بفترةٍ مليئة بالضغوطات في حياتها. عندها قام والدها ، وهو أحد هواة التسلق, بتعريفها على هذه الرياضة لمساعدتها على تجاوز الضغط النفسي الذي كانت تعاني منه وسرعان ما أبدت اهتمامًا كبيرًا بتلك الرياضة. “يجعلُك التسلّق في حالة تأهّب، تشعر بالضعف أمام الصخور، نفسيًّا وجسديًا، عليك أن تكون يقظًا في كل لحظة، وأن تتحكّم بأفكارك ومخاوفك، وإلا فلن تتمكّن من إكمال التسلّق”، تشرح إلسا التي غدَت الآن، بعد مرور ثلاث سنوات، متسلّقة شبه محترفة.

من خلال نادي التسلّق، تعرّفت إلسا على Climb Aid وهي منظمة غير حكومية تَمنح الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال المتأثّرين بالحروب والفقر والتشرّد من خلال العلاج بالتسلّق. في لبنان، تعمل منظمة Climb Aid بشكل أساسي في وادي البقاع المحروم، والذي يستضيف عددًا من اللاجئينَ يوازي عدد سكانه الأصليين. كانت المنظمة بحاجة إلى متطوّعين للمساعدة على تدريب الأطفال على التسلّق. شعرت إلسا برغبة شديدة في مشاركة شغفها بالتسلق، فانضمت إلى منظمة Climb Aid كمتطوّعة بدوام كامل. “أعلم إلى أي درجة يمكن للتسلّق أن يصبح علاجيًّا. ولهذا السبب أردت مساعدة الآخرين للإستفادةِ من هذه الرياضة”، تُنوه إلسا.

تشعر إلسا بنمو الأطفال الذين توجّههم من خلال سِمات الثقة واحترام الذات التي يكتسبونها من التسلّق. وتشرح أنه بمجرّد أن يتغلب الأشخاص على مخاوفهم، لا يمكن إيقافهم بعدها وتقول  “إن السقوط والبدء من جديد هو جوهر التسلّق. يُعلّمنا التسلق القيام بمخاطر محسوبة. فعندما تكون على ارتفاع 30 مترًا فوق سطح الأرض وعليك أخذ خطوة أخرى، تكون غير متأكد من أنك ستمسك بالفتحة التالية. وتفكّر: ماذا لو انزلقت؟ تبدأ قدماك بالإرتعاش. في معظم الأحيان، تسقط، مرارًا وتكرارًا. الآن، وبعد أن أصبحتَ تعرف ماهيَّةُ الشعور، فإنك لم تعُد تخشى السقوط بعد ذلك”. يوفّر التسلّق مساحةً آمنة للأطفال للتفكّر، تنمية قِواهم، القدرة على التحمّل، والثقة التي تلعب دورًا أساسيًّا في مساعدتهم على التكيّف مع تحدّيات الحياة.

بعد حيازتها على درجة البكالوريوس في الكيمياء الحيوية،  كانت إلسا قد قررت متابعة الدراسات العليا في علم الأحياء الجزيئي. غير أنّ عملها التطوّعي مع Climb Aid قادها إلى مسارٍ مختلف؛ مسار يمكنها من خلاله ترك الأثر الإجتماعي والإيجابي الذي ترغب في إحداثه. لقد قادها الشعور بالرضا والدفء بعد كل حصّة تسلّق إلى اختيار مهنة في مجال الصحة العامة. ومن خلال بحث أجرته إلسا على الإنترنت عن مجالات الدراسة في الصحة العامة في لبنان، أظهرت النتائج الدراسات العليا في مجال الصحة العامة (Master in Public Health) في كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت. وبعد أن تعرفت على التخصّصات المتوفّرة، اختارت الالتحاق بالبرنامج الذي سيمكّنها من إتقان مهارات تطوير وتنفيذ مشاريع فعالة لتعزيز الصحة.

يكمن شغف إلسا في تعزيز بُنية اليافعين والشباب من خلال ممارسة رياضة التسلّق كوسيلة لصقل القوة والمرونة. فهي تعلّمهم المثابرة والتغلّب على الضغوطات، وأنّ التعلّم من التجارب والنهوض من جديد بشكل أقوى وأكثر حكمة هو الأساس. هذا هو فنٌ من فنون الصحة العامة!