تعليم لغة الإشارة هو فنٌّ من فنون الصحة العامة
ماذا تفعل إذا دنا منك أحد في الشارع وطلب منك المساعدة؟ ماذا لو بذلتَ قصارى جهدك لتفهم ذلك الشخص، ولكنك لم تستطِع؟ تأثرَت منى رمضان تأثّرًا عميقًا عندما اقترب منها شخص أصم ذات يومٍ محاوِلًا التعبير عن نفسه. “شعرْتُ أنه كان يطلب المساعدة. لم أتمكّن من معرفة ما كان يحاول إيصاله لي لأنني لم أكن أستطيع فهم لغة الإشارة آنَذاك”، تستذكر منى. غادرَت بقلبٍ مُثقَل وعادَت إلى المنزل، وبدأت في البحث عن مدرسة لتعليم لغة الإشارة. وبعد عام من ذلك اللقاء، أصبحَت منى معلمة ومترجمة للغة الشارة.
تعيش منى في مصر. كانت تقوم بأعمال تطوعية منذ أن كانت في المدرسة الثانوية. واستمرّت بذلك أثناء دراستها الجامعية وكذلك بعد حصولها على درجة البكالوريوس في العلوم الاجتماعية. ورغم عملها كمعلّمة بدوام كامل، تجد منى الوقت للتطوّع من أجل تعليم الصُم لغة الإشارة. “إنها تجربة تعليمية ذات اتجاهين. فكلما تفاعلتُ مع الأشخاص الصم، كلما تعلمتُ لغة الإشارة بشكل أفضل”، تقول منى. وتضيف: “لغة الإشارة ليست عالمية. على سبيل المثال، تختلف لغة الإشارة في أوروبا عن لغة الإشارة هنا في مصر. لكل دولة لغة إشارة خاصة بها. وكأنّك تتحدّث بلغتيْن مختلفتيْن”. كما تقدّم منى ورش عمل عن لغة الإشارة المصرية لطلاب الجامعات ولكل من يرغب في تعلّمها. “نحن بحاجة إلى تعلم لغة الإشارة للتواصل مع الأشخاص الصم حتى يتمكن الناس من التواصل بسهولة مع بعضهم البعض. وينبغي أن تُتاح للأشخاص ذوي الإعاقة السمعية نفس الفرصة للتواصل والمشاركة في المجتمع مثل أي شخص يستطيع التكلّم. هنا تكمُن أهمية تعليم لغة الإشارة للأشخاص الذين يستطيعون التكلّم لتمكينهم من التواصل مع أولئك الذين لا يمكنهم ذلك”، توضح منى التي تقوم أيضًا بتعليم آداب التواصل مع الصم للأشخاص المهتمين بتعلم لغة الإشارة – وهو ما يُسمّى بسيكولوجية الصم. كذلك تقوم منى بترجمة البرامج التلفزيونية والأخبار للصم في مصر.
فخورةٌ هي بالعلاقة الخاصة التي تربطها بمجتمع الصم. وتشعر بالغبطة عندما يتواصل معها أحد طلابها السابقين ويشاركها أخباره. فهي ترى أن ذلك يدلّ على الثقة. “غالبًا ما يشعر الأشخاص الصم بأنهم مستبعدون من مجتمعاتهم. نتيجة لذلك، يختار الكثيرون الإنغلاق، فلا يُفصِحون عمّا بداخلهم أو يعبّرون عن أنفسهم بسهولة. وعندما ينفتحون على الآخرين، فهذه علامة هامة ودليل على الثقة”، تلفِت منى.
دائمًا ما تتألق النفوس الجميلة عند اختبارها. في ذلك اليوم، لم تستطع منى التواصل مع ذلك الشخص في الشارع. لكن قلبها العطوف اختار ألّا يتجاهل الأمر. وبدلاً من ذلك، قرّرَت إضفاء بريقٍ كأشعة الشمس على العالم من خلال مساعدة الصم على الاندماج في المجتمع. هذا هو الإدماج الاجتماعي في أحد أشكاله. هذا فنٌّ من فنون الصحة العامة.