التواصل مع جمهور  مَنسي هو فَنْ من فنون الصحةِ العامة

إنه صباح الإثنين، تتحضَّر زينب لموعدها الأسبوعي مع جمهورها في جميع أنحاء لبنان. جمهورٌ غنيٌّ بأشخاص من خلفيات ثقافية، اجتماعية، واقتصادية مختلفة. برنامجها الحواري الإذاعي الأسبوعي، “معنا، الإثنين أحلى”، يستضيف علماء مشهورين يناقشون المسائل الأكثر إلحاحًا المتعلقة بجائحة فيروس كورونا كوفيد-19.

زينب زعيتر مُقدّمة برامج في محطة إذاعية وطنية في لبنان، وهي متخصّصة في الصحافة الاقتصادية. عندما سُئلت كيف دخلت مجال الصحافة الصحية، أجابت زينب: “عندما بدأت جائحة كورونا، لاحظتُ انتشار الكثير من المعلومات الخاطئة عن المرض. كان عليَّ القيام بشيء ما، ولكن كانت تنقصُني الخلفية العلمية. لم أستطع التمييز بين المعلومات الصحيحة وتلك الخاطئة من دون مساعدة الخبراء. بعد ذلك، لاحظتُ وجود حملة لتعزيز الصحة على وسائل التواصل الاجتماعي، كانت حملة “mythbusters” (مُدَمِروالشائعات) بقيادة قسم تعزيز الصحة والصحة المجتمعية في كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت. تواصلتُ معهم. كانوا متحمّسين للمساعدة، وأنا كنت متحمّسة للتعلُّم. وهكذا بدأت مسيرتنا في مجال تعزيز الصحة”.

بدأت زينب ببرنامج مدَّته عشر دقائق بعنوان “صح أم خطأ” لتصحيح المفاهيم الخاطئة عن فيروس كورونا.  كانت سعيدة جدًا بردود الفعل الغامِرة من جمهورها. كان الناس يتواصلون معها من خلال الراديو وعلى رقمها الشخصي ليستوضِحوا عن المرض. شعرت زينب، وإدارة المحطة الإذاعية التي تعمل فيها أنَّ هناك حاجة لبرنامجٍ أكثر شمولاً للرّد على كل استفسارات الناس. وهكذا، أبصر برنامج “معنا، الإثنين أحلى” النور.

أمضت زينب والباحثون من الجامعة الأميركية في بيروت ساعات في التحضير لكلّ حلقة. كانوا حريصين على تقديم المعلومات العلمية بشكل مُبسَّط ودقيق ومُلفِت. وناقشوا كيفية تقديم المعلومات الصحية المُعقدة إلى جمهور بهذا التنوّع من حيث الفئات العمرية والخلفيات الثقافية. في بعض الأحيان، كان على الباحثين مشاركة تجاربهم الشخصية لإيصال رسائلهم. لقد تحدّثوا بلغة جمهورهم، وبساطة رسائلهم شجَّعت الناس على التجرّؤ وطرح المزيد من الأسئلة. كان الناس يشعرون بالضّياع. وكانوا بحاجة إلى هذا التوجيه الموثوق. تتالت الحلقات، واحدة تلوى لأخرى. مَرَّ عليه عام ونصف والبرنامج لا يزال في أوجّه. وبالإشارة إلى ما كَسبَته من هذا التعاون، تقول زينب: “لقد تعلمتُ الكثير من هذه التجربة. تعلمتُ أن يكون لديَّ دائمًا مرجعًا علميًا لكل المعلومات التي أشاركها، وأن أتحقّق من مصادر متعددة، وأن أستكشف الوسائل المختلفة لتقديم المعلومات المتوفّرة لديّ”.

من خلال عملها في المحطة الإذاعية، تريد زينب الوصول إلى الأشخاص الذين لا يتقنون استخدام الإنترنت… الأشخاص الذين قد لا يفهمون الحملات الصحية على التلفزيون، والذين قد يتردّدون في طلب التوضيحات، أولئك الأشخاص عادةً ما  يتمُ نسيانهم في حين أنهم أكثر من يحتاج إلى هذه المعلومات. وتستذكر زينب ربّة منزلٍ كانت قد شجَّعت زوجها، وهو سائق سيارة أجرة، على أخذ اللقاح بعد سماعها حلَقة من البرنامج تناولت موضوع لقاحات كورونا. “لو قام شخصٌ واحد فقط بتغيير سلوكه عند استماعه إلى برنامجي، سأكون راضية جدًا”، تقول زينب. للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص،  يُبَث البرنامج مباشَرة أيضًا على الموقع الالكتروني للراديو. إضافة إلى ذلك، تقوم زينب بكتابة مقالات تستند إلى البرنامج وتنشرها على الموقع الإخباري العربي “لبنان 24“.

“لقد بيَّن لنا هذا الوباء أين تكمن الأولوية، رغم كل الظروف الصعبة التي نعيشها في لبنان، تعلّمنا أن صحّتنا هي الأهمّ. نحن بحاجة إلى باحثين صحّيين لتزويدنا بإرشادات حول كيفية حماية أنفسنا وحماية أحبائنا”، تخبرنا زينب. لقد عبرَت زينب الجسر من الصحافة إلى مجال غير مألوف، ألا وهو تعزيز الصحة. وقطعت شوطًا إضافيًا للتواصل مع أولئك الذين تُركوا خلف الرّكب. لقد تحدثَت لغتهم، وطرحَت أسئلتهم، واستجابَت لمخاوفهم. هذا  هو فنّ الاهتمام بالأشخاص المنسيّين. هذا فنٌّ من فنون الصحة العامة!