العمل التطوّعي فنّ من فنون الصحة العامة
أثناء جلوسه في الحافلة، سمع يعقوب امرأة تسعل بشكل متكرّر. اقترب منها معرِّفًا عن نفسه: “أنا يعقوب محمد، متطوّعٌ صحّي في المنظمة الدولية للهجرة“. تحدّث معها عن الأعراض التي تعاني منها ونصحها بأن تتصل بالبرنامج الوطني لمكافحة التدرّن الرئوي (السلّ) التابع لوزارة الصحة العامة لتحديد إذا ما كانت مصابة بالسلّ. كما أعطاها رقم هاتفه ورقم المشرِف عليه. بعد بضعة أسابيع، تلقى يعقوب مكالمة من تلك المرأة. “أشكرك جدًا. لقد تبيّن أنني مصابة بمرض السلّ. لقد بدأت بالعلاج، وأشعر بتحسّن”. امتلأ قلب يعقوب فرحًا. فهو اختار أن يصبح متطوعًا صحيًا لهذا السبب.
يعقوب محمد يعرف ما تعنيه الإصابة بالسلّ. هو مُهاجرٌ غادر بلده السودان منذ أحد عشر عامًا واستقرّ في الطيونة. بدأ العمل في شركة تقدّم خدمات تنظيف. وذات يوم، بدأ يعاني من مجموعة من الأعراض المثيرة للقلق. كان يسعل ويعاني من الحمى الليلية والقشعريرة. كما فقدَ شهيته للطعام. تحمّل ذلك لمدة أربعة أشهر. ومن ثم التقى بصديق نصحه أن يزور مركز البرنامج الوطني لمكافحة التدرّن الرئوي لإجراء فحص السلّ، وتبين أنه مصاب بهذا الداء. لحسن الحظ تلقّى يعقوب علاجه وتعافى تمامًا. شعر بالغبطة عندما تلقى دعوة من “المنظمة الدولية للهجرة” ليصبح متطوعًا صحيًا. “أريد أن أتأكد أنه لن يعاني أحد كما عانيْت أنا. المساهمة في إنقاذ الأرواح هو أمر مُجزٍ للغاية”، يقول يعقوب.
عندما كان طفلاً، لم يتلقّ يعقوب أيّ تعليم رسمي، لكنه تعلم القراءة والكتابة باللغة العربية. تدرّب من قبل البرنامج الوطني لمكافحة التدرّن الرئوي و “المنظمة الدولية للهجرة” على تقديم معلومات علمية عن مرض السل للناس. يريد يعقوب التأكد من أن كل شخص يقابله يعرف عن مرض السل. ولا يكتفيِ بذلك، بل يشجّع أيضًا على تلقي لقاح فيروس كورونا. وعن اختياره لجمهوره، يشرح يعقوب: “أنا في مهمّة مستمرة. أينما ذهبت، أتحدث عن مرض السل. جمهوري في المقام الأول هو المهاجرين، ولكنني أحرص أيضًا على التحدث عن مرض السل مع أي شخص أقابله في الحافلة أو في الشارع”. صورةه الشخصي في “واتساب” تشهد على ذلك، فتقول الصورة: “إن كنت مصابًا بالسلّ أو تعرف شخصًا مصابًا بالسلّ، فاتصل بي”، باللغتيْن العربية والإنكليزية.
عندما سئل يعقوب عن الصحة العامة، أجاب: “لا أعرف ما هي الصحة العامة”. لا يمكن لصدق كلامه إلا أن يلمس قلبك. فهو يعمل جاهدًا لتحسين صحة مجتمعه دون أن يدرك أن عمله يقع في صميم الصحة العامة. هو بطل حقيقي يصب كلّ اهتمامه على الخدمة وتحسين صحة الآخرين، وتجنيبهم معاناة المرض الذي عانى منه. هذا هو فنّ من فنون الصحة العامة!