إيصال المعلومات الصحية عبر تأليف الأغاني هو فنٌّ من فنون الصحة العامة

يُمسك غيتاره ويغنّي كلماته الممزوجة بالحِكمة.  تنتشر طاقةٌ دافئةٌ في الهواء. يأسُرك غناؤه. شغفُه وحماسُه يدفعك إلى مشاركته في الغناء. أغانيه هادفة، هدفٌ نبيلٌ لإنقاذ الطبيعة والحيوانات ومستقبل البشر. يجمع بول أبي راشد، وهو ناشط بيئي وصحّي، بين التعليم والموسيقى لتعزيز فهم هذه القضايا الحيوية. ويسمّيها “أغاني المؤتمرات“، موضحًا: “عمليًا، إنه غِناء المحاضَرة التي تُعطى عادة في الصف”.

من خلال مجموعةٍ تَضُمُ نحو سبعين أغنية، يتناول بول العديد من المواضيع الصحية والبيئية: كالتدخين، الغذاء الصحي، الحفاظ على الطبيعة، إدارة النُفايات، إعادة التدوير، والزراعة العضوية. ويقول: “تتناول هذه الأغاني أبسَّط حقوق الإنسان كتنفُس الهواء النقي، الحصول على مياه صالحة للشرب، والعيش في بيئة ملائمة”. بمهارةٍ عالية، في بعض الأحيان يجمع بول في الأغنية الواحدة بين ثلاث لغات: العربية، الفرنسية، والإنكليزية. يَستخدم لغةً بسيطة وأخّاذة لجذب وإقناع جمهوره بالحفاظ على صحة جيدة والعمل للمحافظة  على الموارد الطبيعية.

كان بول شغوفًا بحقوق الإنسان وحقوق الحيوان والثقافة البيئية منذ شبابه. اعتاد قراءةَ الكتب والمقالات الصحفية حول الصحة والبيئة وتعليم السلام. عندما أنهى دراسته الثانوية، أراد الالتحاق ببرنامج الصحة البيئية في الجامعة الأميركية في بيروت، إلّا أنه لم يتمكّن من ذلك بسبب التحديات السياسية والاقتصادية في البلاد آنذاك. في نهاية المطاف، اختار دراسة القانون لارتباطه بحقوق الإنسان.

بدأت مسيرة بول كمدرّس في عام 1992، بعد حصوله على درجة البكالوريوس في القانون. إلا أنَّ التدريب الذي تلقّاه في منظمة اليونيسف غيّر رؤيته للتعليم وجذَبه نحو تبنّي مفهوم التعليم النشِط. بدأ عمله كمدرّس للتربية المدنية في مدرسة محليّة في لبنان. واختار أن يجمع بين الحركةِ والحيويةِ والتعليم. من هنا وُلد مفهوم “أغاني المؤتمرات”. اختار بول العمل في مجال تعليم الشباب لوجود أملٍ حقيقيٍّ   هنا للتغيير. على حدّ تعبيره: “التعليمُ حقلٌ خصب حيث يمكنني أن أزرع فكرة الحفاظ على البيئة أو طرق تفكيرٍ جديدة في عقول الشباب وقد ينجح ذلك. إذا حاولتُ تغيير القانون، فهناك احتمال كبير بالفشل”. ويُضيف بول: “لا يمكنك الحفاظ على اهتمام الطفل لفترة طويلة؛ لكن الأطفال كانوا يجلسون نحو ساعتين للاستماع إلى أغانيّ. وقد تعلَّموها بسهولة”. بعد عدّة سنوات من عمله في لبنان، قرّر بول نشر رسالته في كافة أنحاء الوطن العربي.

لقد غيَّرت أغنياته حياة الآلاف من الأشخاص على مدى السنين. “معظم أعضاء جمعية الأرض – لبنان (T.E.R.R.E. Liban) كانوا تلاميذي. وهم يشاركون بنشاط في أي حركة بيئية ندعو إليها”، يعلن بول بفخر.

في عام 1994، أنشأ بول “جمعية الأرض – لبنان” (T.E.R.R.E. Liban) كحملةٍ للتنشئة المدنية، وجرى تسجيلها في عام 2002. وفي عام 2012، أطلق بول، إلى جانب عشر منظمات بيئية أخرى في لبنان، “الحركة البيئية اللبنانية” التي تهدف إلى تشكيل تحالفٍ قويّ لحلّ المشكلات البيئية في لبنان. لقد أثبتت شهادة بول في القانون جدواها في العديد من المعارك البيئية التي خاضها.

يعرف بول أن معركته من أجل الحفاظ على الموارد الطبيعية وتعزيز السلوكيات الصحية هي معركة طويلة. ويقول: “عندما تقول الحقيقة وتلتزم بالقانون، يكون الفوز حَتْمِيًّا. عندما أجلب دليلاً على إيذاء البعض للبيئة، وعلى الرغم من تبّوئهم لمناصب ذات نفوذ وعدم إحضارهم للعدالة، فأنا على يقين أنَّ العدالة ستتحقق في يوم من الأيام. قد يستغرق ذلك بعض الوقت والكثير من الجهد وقد يرتَد عليَّ بنتائج عكسية. لكنني سأتابع بعزم. سأستمر في الحديث عن ذلك، وفي يوم من الأيام، سينتصر الخير “. لقد قطع بول عهدًا على نفسه بألّا يفقد الأمل وألّا يستسلم أبدًا!

لكي يصِل بول إلى جماهيره ويخلق التأثير الذي يطمح إليه، كان عليه إيجاد استراتيجية مبتكَرة وجذابة. كُلّ من يستمع إليه يُفتَن بجاذبيته وصدقِه. أوْجد بول هذه اللغة المشتركة لحماية الطبيعة والبشر. فقد استخدم اللغة العالمية، الموسيقى، وجمعها مع رسائل تعليمية بسيطة. هذا فنّ الصحة العامة!