الرعاية الصحيحة والفعّالة للحمل فنٌّ من فنون الصحة العامة

 “هل هناك ما هو أغلى من أن تحضن حياةً جديدةً بين يديك؟ عندما أنظر إلى تلك الوجوه الصغيرة لحديثي الولادة، تَغمرني البهجة. ببساطة، أنني أعشق الأطفال! ولهذا السبب درسْتُ القِبالة القانونية”، تقول بتول قاسم. وتُتابِع: “في لبنان، يُساء فهم القِبالة القانونية إلى حدٍ كبير مِن قِبل عَامة الناس إذ أنهم لا يعرفون ما يُمكن القابلات القانونيات فِعله حقًا”. أمّا صديقتها ناهدة العكاري، فتُومِئُ برأسها موافِقةً: “أذكر جيدًا حادثة حصلت معي منذ زمن بعيد. كنت في المستشفى أهتم بامرأة في مرحلة المخاض. لم يتمكن الطبيب من الوصول إلى المستشفى في الوقت المحدّد بسبب سوء الأحوال الجوية. لذا، ساعدتُ المرأة في الولادة. الأم والطفل كانا بصحة جيدة. وكانت الأُسرة -التي عاشت في كندا حيث القِبالة القانونية معروفة ومقدّرة- سعيدة جدًا، أما الطبيب فلم يكن كذلك”. وتضيف: “للأسف، العديد من الأسر اللبنانية لا تثق أن القابلة القانونية هي الاختصاصية الصحيَّة المُشرِفة على ولادة أطفالها، ولا بدّ لذلك أن يتغيّر!”

بتول هي قابلة قانونية مُدرَّبة حائزة على درجة البكالوريوس في القِبالة القانونية. وهي تعمل في مجال تعزيز صحة الأم والطفل مُنْذُ أكثر من ثلاثين عامًا. عَمِلَت في المستشفيات والمنظمات غير الحكومية، وتعمل حاليًا في عيادة للصليب الأحمر اللبناني. كما تقوم بتول بحلقات التواصل الصحي حول التطعيم، الرضاعة الطبيعية، الصحة، والحقوق الإنجابية وذلك في المنظمات غير الحكومية المختلفة وفي مدارس رسميّة وخاصة. ناهدة هي أيضًا قابلة قانونية حائزة على درجة البكالوريوس في القِبالة القانونية وعلى الدراسات العُليا في الصحة العامة. تُدرِّس حاليًا في الجامعة اللبنانية، وتقوم بأعمال تطوعية في منظمات غير حكومية مُختلفة، وتتمتع بأكثر من عشرين عامًا من الخبرة في مجال القِبالة القانونية كما عَمِلت في العديد من المستشفيات اللُبنانية.

تَستذكِر ناهدة: “في التسعينيات، كان الوضع صعبًا. لم تكن المستشفيات مدركة للدور الذي تضطلع به القابلة القانونية. على سبيل المثال، في قسم الولادة، كان الشخص المسؤول ممرضة/ممرض وليس قابلة قانونية. لقد تطلّب إثبات قُدراتنا لإدارة المستشفى الكثير من العمل الشاق. مع الوقت، أثبتنا جدارتنا. ولكن وضع القابلات في لبنان لا يزال بعيدًا كُل البعد عن أن يكون مثاليًا. في الوقت الحالي، تقوم القابلة القانونية بتقديم خدمات الرعاية الصحية أثناء المخاض، ولكن الولادة تكون تحت إشراف الطبيب “.

يوفّر التدريب في مجال القبالة القانونية تعليماً فعّالًا للطالبات لا يمُكّنهن من حضور الولادات فحسب، بل من تقديم المشورة والمعلومات في مجال الصحة الإنجابية أيضًا. “للتَخَرُج، يجب أن تشرف طالبة القِبالة على ولادة خمسةً وخمسون طفلاً كمسؤولةً عن تقديم الرعاية  الصحية بصفة أساسية. طالِباتُنا مجهَّزات تجهيزًا جيدًا لتقديم الرعاية الشاملة السابقة للولادة وما بعد الولادة. نحن نُشَّجع النساء الحوامل على المشاركة النَشطة في اتخاذ قرارات الرعاية الصحية الخاصةِ بهنَّ كما نؤيد الولادة الطبيعية”، كما تُخبرنا ناهدة. 

عندما سُئلَت عن القانون اللبناني فيما يتعلَّق بممارسة مهنة القبالة القانونية، أجابت ناهدة: “يُجيز القانون اللبناني للقابلة القانونية بأن تكون الاختصاصية الصحية الوحيدة المشرفة على الولادة، وهذا دليل على قُدراتنا. لدينا أيضًا الحق في فتح عيادة خاصة حيث يمكننا تقديم المشورة والرعاية للنساء الحوامل. ويُسمح للقابلات القانونيات بوصف أنواع معينة من الأدوية. كما يمكن أن يكون لدينا رقم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مما يُمكِّن المرضى من تقديم الفواتير إلى هذا الصندوق. يمكننا توفير هذه الرعاية طالما كل شيء طبيعيا. اما في حال كانت هناك أية مضاعفات طبية أو توليدية، فنقوم بإحالة المرأة الحامل إلى طبيب مُتَخصص.”

تستحق مهنة القِبالة أن تأخذ مكانها المناسب في نظام الرعاية الصحية. وقد أثَبت نموذج القبالة فعاليته في تَحسّين صحة الأمهات وحديثي الولادة. فالقابِلات يُعَزِزن الصحة العامة من خلال الحفاظ على العملية الفيزيولوجية للولادة والمُساهمة في الممارَسات المُتعلقة بالصحة المجتمعية. تفهم القابلات تَجربة الحمَل العميقة وتوفرن الرعاية الفردية للأمهات والرعاية السابقة للولادة، والتي تقوم على الثقة المُتبادلة. القبالة هي الرعاية، بناء الثقة، والسماح للمرأة بالمشاركة في اتخاذ القرارات المتعلَّقة بالولادة. ممارَسات الولادة التي توفر الرعاية هي فنٌّ من فنون الصحة العامة!