By Afif Mashaka | Staff Writer

الذهب ليس مجرد معدن نفيس، بل  ركينة أساسية في الاقتصاد العالمي، وورقة اقتصادية رائدة،  تؤثر في البورصات والعملات، ومكوّن استراتيجي في احتياطي البنوك المركزية. تظهر قوة الذهب عند بروز وتفاقم متغيرات اقتصادية مثل التضخم وضعف العملات والأزمات المالية. عندما تواجه الاقتصادات تقلبات كبيرة، يتجه المستثمرون والحكومات إلى الذهب كملاذ آمن يحمي ثرواتهم من التدهور الناجم عن انخفاض قيمة العملات الورقية أو ارتفاع الأسعار

 توجد علاقة عكسية بين أسعار الذهب وقوة الدولار الأمريكي. عندما يضعف الدولار نتيجة لسياسات نقدية توسعية أو لِهَز الثقة، يرتفع سعر الذهب، كونه يُسعّرُ عالمياً بالدولار الأمريكي، مما يزيد من معدل طلبه من قِبَل المستثمرين الأجانب. فضلا عن ذلك، العلاقة بين الذهب وأسواق الأسهم والسندات عادةً ما تكون عكسية؛ فخلال فترات تدهور الأسواق المالية، تتجه الأموال إلى الذهب تجنبًا للمخاطر. فعلى الصعيد الدولي، يمثل المعدن الأصفر عنصرًا مريحاً في الاحتياطات المالية. تحتفظ البنوك المركزية باحتياطيات كبيرة منه لتعزيز ثقة المستثمرين في اقتصاداتها، وتوفير وقاية من تقلب أسعار العملات. أما في دول مثل الصين وروسيا، تزيد من اقتنائها للذهب لتقليل الاعتماد على الدولار في التبادل التجاري الدولي، مما يجعله أداة ذات بُعْد جيوسياسي، إضافة إلى كونه أصلًا أداةً ماليّة

تاريخيا، يمثل الذهب ظاهرة مميزة تربط بين المال والمجتمع. تحول الذهب إلى علامة للقوة والازدهار، وصار وسيلة لحل المشاكل الاقتصادية الكبيرة. في الدول النامية، يؤدي الذهب دور الضامن المالي ، حيث يلجأ إليه الناس كمأمن عند فقدان الثقة في البنوك أو العملات المحلية، كما في لبنان وفنزويلا

شهد الزمن الحديث وقائع بارزة ظهرت فيها أهمية الذهب كمأمن في الشدائد الاقتصادية. ففي أزمة المال والركود الإقتصادي الكبير الذي وقع في أواخر سنة 2007 الى سنة 2009، ارتفع سعر الأونصة من 700 إلى 1900 دولار مع تعثر البنوك الضخمة. وأثناء جائحة كورونا في العام 2020، وصل الذهب إلى رقم قياسي جديد عند 2075 دولارًا بالتزامن مع تراجع قيمة العملات. على الصعيد الجيوسياسي، أصبح الذهب أداة اقتصادية تستخدمها الدول. فالصين وروسيا تضاعفان مشترياتهما لتخفيف الاعتماد على الدولار، في حين استخدمته تركيا كحاجز واقٍ من تدهور الليرة. في المقابل، تضع الهند قيودًا على استيراد الذهب بسبب تأثيره على العجز التجاري

الذهب هو انعكاس لثقة الناس في القيمة المادية، خاصةً في الأزمات المالية. لكن هذه الميزة تجعله أيضاً وسيلة تنافس بين المجموعات والدول، مما يثير تساؤلات حول عدالة توزيعه وتكلفة الحصول عليه.  بحيث يشكل  تحديات اجتماعية وبيئية كبيرة، تشمل أوضاع العمل الخطيرة في المناجم، والضرر البيئي الناجم عن عمليات التنقيب غير المنظمة، والفجوة الواسعة في توزيعه بين الأثرياء والفقراء