By Nadine Rizk | Staff Writer
من الصعب أن تكتب سطورًا تخافُ أن تضعك موضع الضعف، أو تحدّك بالدفاع وتمنعك من الهجوم، تتردد في الإمساك بقلمك وتقول في نفسك: “هل أبرر”؟ لكن، وعندما لا ترى سبيلًا آخر لتحمل راية الحقّ، تبدأ في صياغة كلماتك، علَّها تكون رصاصةً تصيب صدر العدو وتوجعه
مقدّمة طويلة، تُمهِّد لما ستقرؤه الآن، وأظنُّك عرفتَ بعضًا منه، فلا شغل شاغلٌ غير ما يجري في فلسطين، منذ العام ١٩٤٨ لليوم. وليس ما يدهش هو موقف العدو، ولا مجازره التي يرتكبها، فليس جديدًا عليه ذلك، إنّما الجديد هو المُستعرب الذي تجري في عروقه دماء عربيّة أشكُّ في أصالتها، تنساب تاركةً خلفها أجسادًا بلا أرواح، ترى أشلاء الأطفال تتمزق أمامهم دون أن ينبسوا ببنت شفة.. يسمعون بكاء الرضيع يطلب ماءً، فلا يجيبه معبر رفح، بل يسخر من ألمه ويغلق في وجهه آخر بابٍ للأمل، بعد انعدامه داخل بقعة الظَّلام التي اغرقوا بها غزّة
من اعتادَ مشهد الخذلان لن تُحرِّك كلماتي فيه شيئًا، ومن أرهقه الدَّم وأضجره العويل سيزداد بؤسًا ويُشيح بوجهه عن أيِّ بصيص نورٍ يراه.. لكن هذا النور ساطع، كنورِ الشمس لا يحجبه السحاب. ما زلنا نعيش على أرضً يحمل فيها العربيُّ همَّ أخيه، ينصره بالدَّمِ قبل أن ينصره ببيانٍ استنكاريّ، يحمل روحه على كفّيهِ ويمضي غير آبه.. عربيٌّ لا يعرف الرضوخ، قاموسه شرفٌ وعزَّةٌ وكرامة، لم يمرَّ به خنوعٌ أو ذُل، عربيٌّ إن دنَّس محتلٌّ أرضه، يهوي بمحراثه على رأسه. سلاحُه فأسُه، ودرعُه قلبه الذي لا يصدأ، عربيٌّ يشُكُّ التبغ في الجنوب، ويشُكُّ عيونَ الأعداء أيضًا. نارُ موقده تُحرق صكَّ البيع الذي باع فيه الخوَنة فلسطين، فيدلو بجمره المُشتعل عليهم، وينادي بالحريةّ لمن انتُزعت حرِّيتهُم هُناك
إبادةٌ جماعيّة تحصل في غزة، دون أن يُحرِّك العالم ساكنًا، وليس المُلام من كان غير ذي حَول، بل من يملك القوة ولا يستعملها خوفًا على مصالحه، من تسكته حفنةٌ من المال عن النُّطق بالحق، من يُغمض عينًا على ظُلمٍ يراه خشية أن يُصيبه الضرر. تبرّأت الإنسانية من هؤلاء، ممّن يلتمس الأعذار لخذلانه، كيف ذلك وهو يرى من لا يشغله شيءٌ عن نُصرة فلسطين؟
انصُرهم بكلمتك، التي تصطفُّ الأبجدية لتُرتِّبها، انصرهم بموقفك الحُرّ، موقفك الذي ستجد من يسخر منه، ويقول لك مُستهزئًا “بما تنصُرهم أنت؟”، فتُشفق عليه وتبتسم
رُبَّما لن يفُكَّ قيدهم، أو يروي عطشهم، أو يُدفِئ صقيع أيّامهم، لكنّه سيكون مصداقًا لإنسانيّتك، وضميرك الحيِّ بعد موت ضمائر البشر، سيُحييك قبل أن يُحييهم، وسيُسافر من أقصى البلادِ إلى أقصاهم، مُعلنًا وحدة الدَّم والعِرق، صادِحًا بالصوت، أن القضيّة لن تموت، وأن الكلمة ستكبُر وتُصبح رصاصةً يومًا ما