By Amena Halawi | Staff Writer
أودّ وبشدّة أن أعود بالزمن إلى حقبة السبعينيّات، ليس لأن لي أحدًا هناك، بل لأنني أشعر أنني أنتمي إلى ذلك الزمن، حيث كانت الحياة تمضي برويّة، بلا استعجال، بلا تسابقٍ محمومٍ نحو الإنجاز فقط لأجل الإنجاز. زمنٌ كان على ساعي البريد فيه أن يوصل الرّسائل من مكانٍ لآخر بمساندة درّاجته العتيقة، تفعل ما بوسعها لتقلّه بحذرٍ خوفًا من أن يسقط ظرفٌ مهترئٌ من حقيبته فينزلق إلى الأرض ويُنسى، زمنٌ كانت فيه الرّسائل تكتب بخطّ اليد، يرتعد المرسل كلّما أخطأ في كلمةٍ أو زاد سطرًا خنق المساحة وضيّقها، ورقة، اثنين، ثلاثة، جفّت المحبرة، ولم يثبت بعد على هيئةٍ للنّص…
أما الآن، فقد تغيّرت الأمور كثيرًا. بات كل شيءٍ يمضي بسرعة، وكأن الحياة سباقٌ لا نهاية له. لم يعد للأشياء قيمتها الحقيقية، بقدر ما صار يهمّنا إنجازها بأسرع وقتٍ ممكن. نأكل بسرعة، لا لنستمتع بمذاق الطعام، بل لننتهي منه وننصرف إلى هواتفنا. نذهب إلى البحر، لا لنتأمل جماله ونتنفس هواءه، بل لنلتقط الصور وننشرها، وكأن اللحظة لا تستحق العيش إن لم نوثقها رقميًا.
لماذا فقدنا القدرة على التمهّل؟ لماذا صارت الأيام تتسارع بلا هوادة، ونحن نركض معها دون أن نلتفت؟ لم نعد نعيش التفاصيل، لم نعد نمنح اللحظات حقها، لم نعد نترك مجالًا للأشياء لكي تأخذ وقتها الطبيعي. حتى سعادتنا صارت مؤقتة، مشروطة، لا تأتي من إحساسٍ داخليّ صافٍ، بل من إشعاراتٍ رقمية ورسائل عابرة.
في الماضي، كان الأطفال ينتظرون بفارغ الصبر عرض حلقة جديدة من ”هايدي“ أو ”عدنان ولينا“، وكانت سعادتهم بسيطة، غير معقدة، لا تحتاج إلى عشرات المشتتات التي تملأ حياتنا اليوم. كان الناس يعيشون اللحظة، لا يركضون وراءها. فهل يمكننا أن نتوقف قليلًا ونعيد شيئًا من هذا الهدوء إلى أيامنا؟ أم أننا بتنا عاجزين عن الحياة خارج هذا الإيقاع المتسارع؟
interesting