بتول سويدان
ولدت جدتي عام ١٩٣٦ في قريتنا الجنوبية ياطر. أسماها أبواها عين الحياة، فكانت، بالكلمة والفعل، عيناً على الحياة الطيبة. تزوجت جدّي بعمر الواحدة والعشرين وكانت أميّة لا تعرف القراءة والكتابة. أمّا جدّي، فكان فلاحاً، استشهد أثناء عمله في الحقل في حزيران عام ١٩٩٨، إثر قصفي إسرائيلي طال قرى الجنوب. غادر جدّي مخلّفاً بعده تسعة أطفال وزوجة. يقول أبي:” لقد ورثنا من جدّك يا ابنتي، طيبة القلب وحسن المعشر، لكنّ من جعلنا على ما نحن عليه اليوم من رجال علم وحملة طموح، كان فعل جدّتك.” بالفعل لقد استطاعت جدّتي بتحفيزها على العلم، وإدارتها بعض الأراضي الزراعية، أن تخرج من بيت الفلاح الشهيد، المنزل الذي لم يعرف طعم اللحمة إلّا على الأعياد، رجل دين، دكتور أذن وأنف وحنجرة، ممرضة، خبير كهرباء، تاجر مساحات وأراضي، وآخرون بشهادات في إدارة الأعمال والإعلام.
أمّا جدّتي من أمّي، فأسماها أبواها فاطمة. اضطرت فاطمة للهجرة مع زوجها حسن الى أفريقيا لطلب لقمة العيش. فاطمة التي لم تدرس الاقتصاد، وعلى مدار ثلاثين سنة في مكوثهم في أفريقيا، استطاعت أن تدّخر مبالغ ضئيلة من معاش العائلة الشهري وأن تبعث به الى لبنان سرّا، لتبني بيتاً للعائلة المؤلفة أيضا من إحدى عشر فرداً. في لبنان، وفي ظل مرض الزوج قامت جدّتي بافتتاح متجر للمواد الغذائية، وآخر للألبسة، وأدارتهما وحيدة، فحفظت بذلك شبح الفقر عن عائلتها.
فخورة أن أقول إنّ أبي وأمّي ولدا من رحم هاتين السيدتين . فخورة بنساء لبنان وبنساء الجنوب. لروح عين الحياة، لروح فاطمة، لأرواحهن السلام والرحمة.