العنف بين جدران الفايروس

­­

ريم وهبي

العنف الأسري بين جدران الفايروس

في زَاوية تلك الغرفة، جلستْ تبكي والدموع قد سقتْ جذور قلبها اليابسة الّذي كان بستاناً من الأزهار لا يخلو، وتلك الدموع جعلت من نفسها مرهماً للجروح من أجل الشّفاء، وليس الشّفاء حتّى بقريب. في غرفة مظلمة وحيدة تبكي وتنكشُ في جدرانها عن بصيص نور للهروب، فما بال تلك الفتاة؟ الخوف، كانت خائفةً من وحوش قيّدوها وسجنوها في زنزانة المعاناة وأعطوا لتلك المعاناة اسم الحياة المشرّفة الّتي تليق بها وبعائلتها. العنف … كان الوحش الأول، تزوّجت صغيرة لا تعي بمسؤولية الزواج سوى الفستان الأبيض والطرحة، “طرحة العروس”، فظنت حكايتها كنهاية سعيدةٍ في أحد قصص الأميرات التي قصّتها عليها أمّها قبل النّوم وهي صغيرة بريئة. انتهى بها المطاف بتغيير الأبيض للعروس للأسود وهذا ما وصفت به حياتها. وهذه أميرة احدى تلك القصص التي خطّطها المجتمع مختبأ وراء حجج جعلها محامي دفاع للجريمة التي أصبحت الآن تمضي بلا محاكم ولا حساب لأنّ الدولة “مش فاضية لهيك قصص هلئ”. فما زاد في ملفات الحجج اليوم والذي أضاف رونقًا لتلك القضية هو جائحة كورونا، ففي ظلّ فترة المرض في البلاد أعلنت الدّولة ولائها للدفاع عن شعبها ضد الفيروس مستقيلة من دور حماية أبسط حقوقه مركّزة على صحتهم. العنف الأسري قضيّة لا تُقدم ولا تُنسى مهما مرّت السّنين ومهما كانت الظّروف ان كنّا سنة 2050 أو في الحرب العالميّة الثّالثة فلا يعطي هذا الحقّ للمعنِّف بتبرئة نفسه عندما يتعدّى على ضحيّته ولا يحقّ للدولة بالتّغاضي عن هذا التّهديد لحياة امرأة أو فتاة في حدودها.  جعلت كلماتي مفاتيحًا لأبوابٍ، لا غرف قضايا، بل قصور جرائم قد أخفيت عن أعين البعض منا، فها أنا في بضع كلمات وحروف سأحاول إعادة النّور وتسليط الضّوء على الوحوش التي قيّدتْ صديقتنا في البداية. العنف … المجتمع … الذنب المُفترى … والحماية مِن مَن؟ من دولة … من أسرة … من منظّمات … من نفسها

 

:المعنف والضحية في العناوين

“فالّتقارير الصادرة عن قُوى الأمن الدّاخلي أشارت الى ارتفاع عدد بلاغات العنف الأسري بنسبة 100%، وبعدما وصلت الى 1184 اتصالا خلال الحجر الصّحّي عام 2020″[1]، “ارتفاع العنف ضدّ نساء لبنان 180%[2]”، “أُعتديَ على امرأةٍ على نحوٍ وحشيّ على يد زوجها السابق”[3]، والمزيد والمزيد من الأخبار والأخبار التي تراكمت وتراكمت في ملف القضيّة مع وجود شهود عيان واعترافات وأدلة وتقارير شرعية جميعها تثبت العنف ضد المرأة في لبنان لا سقف له حاليا في هذه الأوضاع. ولكن، إلى أين؟ ولمتى؟ الكثير من الأسئلة تنبع من عين تلك الحوادث عن السبب والنتيجة وما وراء الستار وما الذي سيجعل تلك العين بالمياه تصب من جديد. في ما سيمضي الآن، جعلتُ قلمي يحاول رسم لوحة كاملة الزّوايا ومشرقة الألوان بمعلومات وتفسيرات.

 

:المجتمع والعنف

المرأة نصف المجتمع ومجتمعنا يعتبرها مهندسة العائلة والمسؤولة عن الأولاد والآن لم تعد محدودة بتولّي أمور المنزل والتّحمل، بل أصبحت خارج المنزل أيضاً، فأصبح سوق العمل يستقبل الكثير من النّساء. وفي وقت الحجر الصّحّي في لبنان، لم تكن الأزمات صحيّة فقط، بل تولّت الأزمة الاقتصاديّة نصاب الأمور كذلك حيث زاد الوضع سوءًا وأصبحت القضيّة، أي قضيّة العنف ضدّ المرأة، في آخر دور المشاكل، في ملفّات وُضِعت بالدّرج حتّى إشعار آخر. فهمّ الامرأة اللّبنانية كان الغذاء والشّفاء حيث تقول إحدى النّساء اللّبنانيّات:”أهمّ أولويّاتي اليوم كامرأة لبنانيّة أن تحصل عائلتي على الغذاء وأن أستطيع تأمين الدّواء الخاصّ بي والذي أصبح ثمنه باهظاً جّداً. العنف الاقتصادي تصدّر سُلّم أسباب العنف الأسري، حيث واجه المجتمع اللّبناني أزمات اللّيرة اللّبنانية والبطالة ومن ثم انقلبت المأساة على المرأة الّتي تحاول إبقاء النّصف الآخر في أمان ممّا وَلِّد مشاهد عنف متواصلة عرضتها الكثير من مسارح البيوت اللبنانية حيث الممثلون الأهل بدور البطولة والأطفال بدور الجمهور [4].

 

وخلف الكواليس، أَتنشِر المرأة مسرحيّتها أم تُبقيها مُسجلّةً في سجلّ ذاكرتها؟ وهنا المجتمع يكون أوّل من يقف بوجهها ليصدّها عن عملتها “الفضيحة”. “كيف بتعملي هيك وبتزتي ولادك؟”، “خلي مرت أب تربيلك ولادك”، “أي أم هيدي”، “أكيد الحق عليها”، والكثير من الرصاصات التي يطلقها مسدس المجتمع ليصيب قلب الضحية بنجاح فتعود بين جدران حلبة المعركة تحاول النّجاة خشية خسارة أولادها وخشية البقاء في الشّارع فتحسب الخسائر وتعود من جديد. فتظهر الدّراسات أنّ أسباب عدم التّبليغ والتّحمل والبقاء في بيت الجاني هو الخوف من رفض العائلة، والخوف من ردّة فعل الجاني والخوف من خسارة أطفالها والأسباب الأخرى تكون تابعة للأمور الأمنيّة والدولة.

 

ومن الأمور التي لا تُلفت أنظارنا في هذه القضيّة أنّ العنف الأسري الّذي يقبله المجتمع أي يعتبره فعلا عنفاُ بغضّ النّظر عن ردّه على العنف هو العنف الجسدي وما غير ذلك هو خلافات زوجيّة عابرةً إن لم يكن العنف الجسدي من الأنواع الّتي اندرجت تحت عنوان الخلافات العابرة. فما الشّتم والسّب واللّعن والإهانة للمرأة من زوجها الاّ خلافٌ عابر، ولا التّجاهل ومقاطعة المرأة من زوجها الاّ خلافٌ عابر، ولا إرغامها وغصبها على العلاقة الزّوجيّة الاّ خلافٌ عابر، وما عدم إعطائها نفقتها الملزمة عليه كرجل لزوجته الاّ خلافٌ عابر. لا ثمّ لا، السّب واللّعن فهو من العنف ويسمى بالكلامي، والتّجاهل من أعضاء لجنة العنف ولقبه النّفسي، والغصب على الفراش من أهم ممثلي العنف وهو العنف الجنسي، وجميعها تثبت بتقرير قانوني كدليل ضدّ الجاني. [5]

 

:القانون اللبناني

لننظر الآن الى القانون اللّبناني الّذي يُفترَض أن يكون في خدمة الشّعب وفوق الجميع ويُطبَّق على الجميع دون استثناء، فلنأخذ لمحةً على القوانين التي كتبت دفاعاً عن حقوق المرأة وهل نفّذت حقّاً؟

ينصّ القانون اللّبناني على بعض القوانين تحت عنوان الأسرة وهو رقم 293 حيث ينقسم إلى قسمين: القسم الأول يتضمّن العقوبات التي تصدر على حسب ما قام به الجاني ضمن مواد القانون الجديدة التي عدّلت.  نرى في تلك المواد عدم وجود مادّة معيّنة للعنف ضدّ المرأة، بل تندرج تحت القسم الاخر الذي هو القسم الحمائي حيث يبعد المعنِّف عن الضّحية وأطفالها ويمنع عن الاقتراب منها أو بنقل الضّحية الى مكان آمن. وتجدر الإشارة هنا الى أنّ القانون لا يضمن الزّوج السابق أو أيّ علاقة غير الزّواج الصّحيح من الرّغم من أنّ هذه العلاقات هي الّتي تبقى في حالة تهديد. وكيف يُعرف بتلك الحالات؟ على الضّحية أن تُقدِّم شكوى من خلال الخطّ السّاخن 1744 الذي غالباً ما يعامل تلك القضايا باستخفاف أو يرد بقول:” شو خصني بينك وبين زوجك”. ومن هنا تجد المرأة نفسها في خطر دائم لا حلّ لها سوى الصّبر وتحمّل أشباح المأساة. [7]

.القانون موجود وجيد لكنه ناقص ولا يُطبَّق

:حماية

وفي غياب من يحمي هذه المرأة وُلِدَ من رَحم المأساة منظمّات حماية ضد العنف الأسري تعمل على الدّفاع عن حقوق المرأة وتوعيتها على حقوقها وهذه الحركات حققّت إنجازات مهمّة. من هذه المنظّمات

أبعاد: تأسّست سنة 2011 وعملت على المساواة الجندرية هدفها “التّنمية المستدامة” للدّفاع عن الفئات المهمّشة ومنها النّساء.

UN Women، UNHCR، و UNFPA وتعاونت مع منظّمات أخرى مثل
لتوسيع حقل مهمّتها والحثّ على التّوعية وتشجيع النّساء للتّبليغ وإعطائهم الثّقة بوجود الحلّ المُرْضِيّ.

كفى: تُعنى هذه الجمعيّة في ملف حماية المرأة والقضاء على كافّة أشكال العنف الممارس ضدّ أعضاء الأسرة عامّة وضدّ النّساء خاصّة حيث أسّست عام 2005 وشغلت نطاقها في البحث عن سياسات لحل هذه القضية وحقّقت نجاحاً كبيراً في هذا المجال في شأن ترتيب البحوث، تغيير القوانين، والدّفاع عن النّساء والأطفال وغيرها من الخطط الّتي نفذت وقامت بالكثير. [9]

…:غدا

وماذا عن الغد؟ ما الذي سيجري للنّساء المستضعفات اللواتي تكتمن ولا تبلغن وإن فعلن فالعقاب يكون عليهن لا على الجاني؟ الحلول أمام أعيننا وبحر الفرص لا يَجِفّ فتعتمدن علينا. يا زملائي القضاة، قدّمت لكم من الأدلّة القليل والقرار في أيديكم ولم تَفرُغ جعبتي بعد فلديّ الكثير والكثير، ولكنّ وصف المشكلة ليس كافياً لحلّها فسأترك هنا من ذلك البحر بعض القطرات فلا ندعها تجف.

    أولا العلم، خطواتنا الأولى في خريطتنا للحلّ هي أن تتعلم النّساء الحقوق التي تتمتّع بها والّتي يجب أن تدافع عنها ففي حال الخلل تستطيع أن تكشفه في أول الطريق. ثانيا، التبليغ، ولكن لقد سبقنا خطوة صغيرة وهي أن تثق بوجود من يقف الى جانبها لتستطيع التّبليغ دون أيّ تردّد وبذلك عملنا بتشجيعها نقطة مهمة. ثمّ علينا التّشديد على حمايتها وتحويلها الى الهيئة أو المرجعية المناسبة كالمنظّمات المذكورة أعلاه. وبعد ذلك، “لكلّ حادث الو حديث، بلّش ومعليك لنخلي المي تمشي بمجاريها”…

 

:المصادر

  1. فرحات سمر. “العنف ضد النساء باقٍ… ويتمدّد.” الأخبار، https://al-akhbar.com/Lebanon/339912.
  2. ارتفاع العنف ضد نساء لبنان 180%… والدولة ‘بطيئة’ (ليا-ماريا غانم. Lebanese Forces Official Website, 4 Feb. 2021, https://www.lebanese-forces.com/2021/02/04/women-25/.
  3. على لبنان إعلان العنف ضد النساء حالة طوارئ وطنية.” هيئة الأمم المتحدة للمرأة – الدول العربية، https://arabstates.unwomen.org/ar/news/stories/2021/03/lebanon-must-declare-violence-against-women-a-national-emergency.
  4. “عنف بلا تبليغ.. نصف نساء لبنان بحاجة للحماية.” الحرة، https://www.alhurra.com/lebanon/2021/11/25/
  5. Gov.il, https://www.gov.il/ar/departments/guides/molsa-domestic-violence-types.
  6. Ahmad.abushreaa. “مظاهر احترام الإسلام للمرأة.” جريدة الغد, 27 May 2017, https://alghad.com/
  7. “مكانة المرآة فى المسيحية.” موقع القس انطونيوس فهمي، http://www.frantoniosfahmy.com/sermons/425.
  8. ISF – Internal Security Forces ; قوى الأمن الداخلي – الموقع الرسمي. https://isf.gov.lb/en.
  9. “جمعيّات تعمل لتمكين النساء وحمايتهنّ من أيّ عنف – شادي عبد الساتر.” نداء الوط , 1 July 2022, https://www.nidaalwatan.com/article/90748-

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *